معاناة عمّال باكستان المياومين وسط كورونا

معاناة عمّال باكستان المياومين وسط كورونا

30 مارس 2020
إجراءات مشددة تشمل الجميع (عبد المجيد/ فرانس برس)
+ الخط -

في ظلّ الوباء العالمي الجديد، أُجبر ثلاثة مليارات شخص على ملازمة بيوتهم للحدّ من تفشّي الفيروس. وقد أثّر ذلك سلباً على كثيرين منهم، لا سيّما هؤلاء المضطرين إلى العمل من أجل توفير لقمة عيشهم.

لا يهدّد فيروس كورونا الجديد صحة الباكستانيين فحسب إنّما يطاول كذلك نواحي مختلفة من حياتهم وقطاعات كثيرة في البلاد. ومع انتشار الفيروس في باكستان، اتّخذت إجراءات مشددة للسيطرة عليه، ففرضت حالة طوارئ وحظر تجوّل في بعض المناطق. لكنّ تلك الإجراءات أفقدت فئة من الناس مصدر رزقها، والمتضررون هم خصوصاً العمّال الذين يشتغلون لقاء أجر يومي.

يقول محمد صفدر، من وجهاء قرية باوكي في بيشاور شمال غربي البلاد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حظر التجوّل ألحق الضرر بهؤلاء الذين يخرجون عادة في الصباح الباكر إلى الشارع في انتظار أن يلجأ أحد إلى خدماتهم في مقابل بدل زهيد يوفّر لقمة العيش لهم ولأولادهم". ويخبر صفدر كيف أنّ أحد جيرانه ويدعى أطلس خان يعاني اليوم من جرّاء حالة الطوارئ، "فهو ما زال يخرج صباحاً من منزله في قرية أبدره بحثاً عن عمل، فهو مستعد للقيام بأيّ شيء مهما كان شاقاً وصعباً فقط ليوفر لقمة العيش لأولاده الصغار، غير أنّه لا يوفّق بأيّ عمل. يُضاف إلى ذلك أنّ الجميع يبتعد عنه حتى أقاربه، لأنّهم يخشون انتقال العدوى إليهم كون الرجل يجوب الشوارع بحثاً عن العمل في زمن يسود فيه الخوف من انتشار كورونا".

أمّا عبد الناصر وهو لاجئ أفغاني في مدينة بيشاور، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "العمّال الفقراء تأثروا كثيراً بسبب تفشي الفيروس، وعدد كبير من اللاجئين الأفغان هم من هذه الشريحة. وفيروس كورونا لا يخيفهم بقدر ما يفعل الفقر". يضيف أنّ "الشرطة اليوم لا تتساهل معهم أبداً، بينما تتساهل بعض الشيء مع المواطنين الباكستانيين إذا خرجوا من منازلهم بحثاً عن عمل غير متوفر أصلاً".



والعمّال المياومون ليسوا وحدهم الذين تأثّروا بفيروس كورونا الجديد، بل كذلك مئات آلاف العمّال والموظفين. هؤلاء وجدوا أنفسهم بلا عمل يعد إغلاق المؤسسات أبوابها على خلفية كورونا، ومنها المحال التجارية والفنادق والمدارس وغيرها. وفي هذا الإطار، قال وزير المالية السابق حفيظ باشا في تصريحات صحافية نقلتها صحيفة "إيكسبريس"، إنّ مليون ونصف مليون شخص تقريباً صاروا بلا عمل بسبب أزمة كورونا، مضيفاً أنّ نسبة البطالة سترتفع في خلال العام الجاري والعام المقبل وهذا أمر خطير جداً.

تجدر الإشارة إلى أنّ الشرطة الباكستانية زجّت بمئات من العمّال في السجون بعدما خالفوا قانون حظر التجوّل في بعض المناطق وخرجوا بحثاً عن لقمة عيشهم، وهو ما ضاعف معاناتهم ومعاناة أسرهم. ويحكي عبد الناصر كيف أنّ "أحد اللاجئين الأفغان ويدعى محمد سليمان خرج في صباح أحد الأيام إلى منطقة سبين جماعت من أجل البحث عن العمل، فألقت الشرطة القبض عليه واقتادته إلى مركزها ثمّ أُدخل إلى السجن لأنّه خالف القانون، علماً أنّه مسكين ليس في جيبه أكثر من 100 روبية باكستانية (نحو 0.6 دولار أميركي)". يضيف عبد الناصر أنّ "أسرة الرجل باتت تعاني أوّلاً من نقص الطعام والاحتياجات الأولية ثمّ من واقع سجنه. لكن بمساعدة بعض التجّار أُفرج عنه ووفّر لأسرته ما تحتاجه".

ومن ضمن الميزانية الخاصة التي حدّدتها الحكومة الباكستانية لمواجهة فيروس كورونا الجديد، حُدد راتب متواضع قيمته ثلاثة آلاف روبية (نحو 18 دولاراً) فقط لكلّ عامل مياوم، علماً أنّ عدد هؤلاء وفق إحصاء الحكومة يُقدّر بنحو 700 ألف شخص. وقد أوضحت الحكومة أنّها تواجه أزمات متتالية وبالتالي لا تستيطع القيام بأكثر من ذلك، كذلك لا تستطيع السماح لهم بالعمل خشية تفشّي العدوى.

يُذكر أنّ قرار الحكومة جاء في اجتماع عُقد في 23 مارس/ آذار الجاري حضره الوزراء وقائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوه وترأسه رئيس الوزراء عمران خان، بهدف مناقشة الوضع المعيشي في البلاد. ولم تُحدّد في خلال هذا الاجتماع مدّة استمرار تنفيذ هذا القرار ولا آلية تنفيذه. لكن بحسب بيان للحكومة صدر في هذا الخصوص، أمر رئيس الوزراء عمران خان أن تأخذ السلطات كل الخطوات اللازمة لمساعدة الطبقة العاملة والفقيرة في هذه الفترة العصيبة.



وقد تسبب قرار الحكومة في إستياء المعارضين لها، في مقدّمتهم الناشطة الاجتماعية ريهام خان، طليقة رئيس الوزراء عمران خان. هي انتقدت بشدة عبر تغريدة لها على موقع "تويتر" قرار الحكومة، ورأت أنّ رئيس الوزراء والمسؤولين في حكومته يتقاضون مئات الآلاف لكنّ الطبقة الفقيرة تستأهل فقط ثلاثة آلاف روبية. وقد دعت الحكومة إلى "الشعور بالخجل". في المقابل، ونظراً إلى ما تمرّ به البلاد حالياً وما تواجهه الحكومة من أزمات متتالية، لقي القرار ترحيباً من قبل كثيرين.