النقاش العالمي حول استخدام كلوروكين لعلاج كورونا يتواصل

تعرف إلى مستجدات النقاش العالمي حول استخدام كلوروكين لعلاج كورونا

29 مارس 2020
بدأت التجارب السريريّة على نطاق واسه لكلوروكين(جاين بارلو/GETTY)
+ الخط -
تجري حالياً تجارب، في عدد من الدول، على عقاري كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين المشتق منه، إلى جانب جزيئات أخرى، لمعالجة المصابين بفيروس "كوفيد-19".
فما الذي نعرفه عن هذين المكونين، ما بين الاختبارات والدراسات والاستخدامات؟

كلوروكين شكل مركب من الكينين المستخرج من أشجار الكينا، يستخدم منذ قرون لمعالجة الملاريا. ويباع عقار كلوروكين تحت عدة تسميات بحسب الدول والمختبرات، ويعرف باسم نيفاكين مثلاً أو ريزوكين. أما هيدروكسي كلوروكين، فهو مشتقّ من كلوروكين لكنّ تأثيره السام أقل منه. يُعرف في فرنسا تحت تسمية "بلاكينيل"، ويستخدم لمعالجة التهاب المفاصل الروماتويديّ والذئبة.
في انتظار لقاح لا يُعرف متى سيتمّ التوصّل إليه، ولن يكون جاهزاً بالتأكيد قبل عام، يقوم العلماء باختبار أدوية موجودة والمزج بينها سعياً للتوصّل إلى علاج في أسرع وقت ممكن، لوباء "كوفيد-19" الذي يجتاح العالم.

يتميّز كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين، عن جزيئات أخرى بأنّهما متوفّران ومعروفان وسعرهما متدنٍ. وكانت خصائص العقارين المضادة للفيروسات، موضع الكثير من الدراسات سواء في المختبر أو على حيوانات وفيروسات مختلفة، قبل انتشار وباء "كوفيد-19".

وقال الباحث في علم الأحياء المجهريّة، المتخصّص في الأمراض المعدية في "معهد باستور"، مارك لوكوي، "معروف، منذ وقت طويل، أنّ كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين المشتق منه، يعطّلان، في التجارب المخبريّة، تكاثر بعض الفيروسات".

وتابع أن تجارب جرت مؤخرا، أكّدت، "كما كان متوقعاً"، أنّ للمادتين في المختبر مفعولاً مضاداً على فيروس كورونا. لكن "هذا لا يعني بالضرورة أنّ هذين العقارين، يعملان كمضاد للفيروسات في جسم الإنسان". مستشهداً بهذا الصدد بـ"عدة تجارب (للعقارين) مخيّبة للأمل"، على فيروس حمّى الضنك مثلاً، حيث لم يكن لهما أيّ تأثير، وعلى حمّى شيكونغونيا، حيث ساعدت هذه الجزيئات في الواقع، على تنامي الفيروس.
 
الجدل العلمي

أفادت ثلاث دراسات، إحداها صينية والأخريان فرنسيتان، عن نتائج إيجابية للعقارين على المصابين بفيروس كورونا الجديد. وشملت التجارب الصينية 134 شخصاً، في مستشفيات مختلفة، واستنتجت الدراسة أنّ لكلوروكين مفعولاً إيجابيا.
وفي فرنسا، يُجري البروفسور، ديدييه راوولت، التجارب على هيدروكسي كلوروكين. وبعد دراسة أولى شملت عشرين مريضاً، نُشرت، مساء الجمعة الماضي، دراسة ثانية شملت هذه المرة ثمانين مريضاُ، تلقوا جميعهم علاجاً يتضمّن مزيجاً من هيدروكسي كلوروكين وعقار أزيترومايسين، وهو مضاد حيوي معروف، يستخدم في القضاء على التهابات بكتيرية ثانوية. وكتب راوولت، مع فريقه من المعهد الاستشفائي الجامعي "مديتيرانيه أنفيكسيون"، في مرسيليا "نؤكّد فاعلية استخدام هيدروكسي كلوروكين مع أزيترومايسين في معالجة "كوفيد-19"".

بدورها نقلت صحيفة زونتاج- تسايتونجال السويسرية، عن الرئيس التنفيذي لشركة "نوفارتس" لصناعة الأدوية، فاس ناراسيمهان، قوله الأحد، إنّ عقار هيدروكسي كلوروكين هو أكبر أمل للشركة في مواجهة فيروس كورونا".
وتعهّدت "نوفارتس" بمنح 130 مليون جرعة منه ودعم التجارب السريريّة اللاّزمة قبل إقرار استخدام الدواء في علاج الفيروس. وأضاف ناراسيمهان للصحيفة: "الدراسات على الحيوانات وكذلك البيانات الأولى من الدراسات السريريّة، تظهر أنّ هيدروكسي كلوروكين يقتل فيروس كورونا... نحن نعمل مع المستشفيات السويسريّة على بروتوكولات العلاج الممكنة للاستخدام الإكلينيكي للدواء، لكن من السابق لأوانه الجزم بأيّ شيء". وأضاف أنّ الشركة تبحث حالياً عن مكوّنات دوائيّة فعّالة إضافية، لإنتاج المزيد من هيدروكسي كلوروكين إذا ما نجحت التجارب السريريّة".

غير أنّ العديد من العلماء، انضمّت إليهم منظمة الصحة العالمية، شدّدوا على محدوديّة هاتين الدراستين، إذ أجريتا من دون مراعاة الأصول العلمية الإعتياديّة المتّبعة، مثل اختيار المرضى بالقرعة، وإجراء التجارب من غير أن يعرف لا المشاركون ولا الأطباء من الذي يتلقى فعلاً العلاج، ونشر النتائج في مجلة علمية ذات لجنة مراجعة مستقلّة، وغيرها.

وفي دليل على مدى تعقيد الموضوع، نشرت دراسة سريريّة صينية أخرى، نتائجها في 6 مارس/آذار، ولم تخلص إلى فاعليّة خاصة للعقار على 30 مريضاً.

ولفت المدير العلمي لـ"معهد باستور"، كريستوف دانفير، إلى أنّه "ليس هناك دراسة تثبت أيّ شيء بعد، في ما يتعلق بالفاعلية على الكائنات الحيّة". وأوضح، مارك لوكوي، أنّ "هذه التساؤلات لا تعني إطلاقاً أن هيدروكسي كلوروكين لا فائدة منه في معالجة "كوفيد- 19" بل من أجل معرفة ذلك، ينبغي تقييمه علمياً باتباع نهج التجارب السريريّة"، بحسب "فرانس برس".

 المخاطر

يحذّر قسم من الأوساط العلميّة والسلطات الصحيّة من التسرّع في اعتماد هذه العقارات. وأوضح، بيتر بيتس، المسؤول السابق في وكالة الأغذية والعقاقير الأميركية، لوكالة "فرانس برس"، أنّ "إحدى هذه العواقب غير المحسوبة، قد تكون فقدان عقار كلوروكين من السوق، فيما يحتاجه أشخاص لمعالجة داء المفاصل الروماتويدي على سبيل المثال".

كما أنّ التأثيرات الجانبية لهذا العقار كثيرة، منها الغثيان والتقيّؤ والطفح الجلديّ، وصولاً إلى أمراض في العيون واضطرابات قلبيّة وعصبيّة. وبالتالي، فإنّ الإفراط في تناول العقار قد يكون خطيراً، بل قاتلا.

 إلا أنّ الدعاية التي تحيط بهذه المادة قد تحمل الناس على تناولها من تلقاء أنفسهم بدون استشارة طبيب. وتوفيّ أميركي هذا الأسبوع، بعد تناوله نوع من كلوروكين الموجود في مادة مستخدمة لتنظيف أحواض السمك. كما تم نقل نيجيريين إلى قسم الطوارئ في المستشفى بعد تناولهما كميّات كبيرة من العقار المضاد للملاريا.

وقال طبيب القلب الأميركي، مايكل آكرمان، مندداً "يتم التشديد على الأمل في فاعلية هذه الأدوية في معالجة (المصابين بكورونا)، بدون هامش منطقي يملي الأخذ بالإعتبار المفاعيل الجانبيّة المحتملة لهذه العقاقير القوية".

 من الذي يستخدمه ضد كوفيد-19؟  

يدعو بعض الأطباء والبلدان، إضافة إلى بعض المسؤولين، إلى وصف هيدروكسي كلوروكين بشكل واسع للمرضى في ظلّ الحالة الصحيّة الطارئة السائدة حاليا. وأبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب حماسته، واصفاً الدواء بأنّه "هبة من السماء"، فيما أعادت اليونان تفعيل إنتاجه، ويدرس المغرب استخدامه لمعالجة "الإصابات المؤكدة".

وعلى ضوء تزايد الطلب على كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين منذ بضعة أسابيع، يمكننا الافتراض بأنّ بعض الأطباء في أنحاء العالم، بدأوا بوصفه ضدّ "كوفيد-19".
وتعهّد ديدييه راوولت، علناً بتوزيع هيدروكسي كلوروكين مع أزيترومايسين على "كل المرضى المصابين" بالفيروس. لكن أصواتاً في الأوساط العلمية، وبعض المنظّمات الصحية، تدعو إلى التريّث إلى حين الحصول على نتائج مثبتة طبقاً للنهج العلمي.

وبدأت تجربة أوروبية أطلق عليها اسم "ديسكوفري"، باختبار أربعة علاجات بينها هيدروكسي كلوروكين على 3200 مريض، في عدة بلدان، بينهم 800 مصاب بالفيروس، في حالة خطرة في فرنسا.

وفي الولايات المتحدة، بدأت تجربة سريريّة، واسعة النطاق، الثلاثاء الماضي في نيويورك، بؤرة الوباء في هذا البلد، تحت إشراف وكالة الأغذية والعقاقير. كما باشرت منظمة الصحة العالمية تجربة سريرية دوليّة ضخمة.
وفي انتظار النتائج، تلتزم بعض الدول موقفا حذراً. وسمحت فرنسا باستخدام هيدروكسي كلوروكين، وكذلك عقاريّ ليبونافير وريتونافير المضادين للفيروسات، إنّما في المستشفى حصراً، وللحالات الخطرة فقط.

وأعلن "المجلس الوطني الفرنسي للأطباء"، الجمعة أنّه "على الأطباء أن يتصرّفوا كمحترفين، ويتحلّوا بحسّ المسؤولية، وينتظروا إثبات أو نفي فاعلية هذا العلاج".
وتابع المجلس: "أسوأ ما يمكن أن يواجهه مواطنونا، هو الإحساس بخيبة أمل أو رؤية علاج أثبت أول الأدلة فاعليته، إلا أنّه لم يعد متوفراً للوصف أو التوزيع بفعل استخدامه بشكل غير مضبوط".

(العربي الجديد)

 

المساهمون