مواطنو كورونا

مواطنو كورونا

25 مارس 2020
يعرف واجباته وحقوقه كمواطن (حسين بيضون)
+ الخط -
"على المواطنين البقاء في منازلهم وعدم الخروج منها إلّا للضرورة القصوى". "الرجاء من المواطنين الكرام إخلاء الكورنيش فوراً". "نطلب من جميع المواطنين إخلاء الطريق البحري". "أيّها المواطنون الكرام، حفاظاً على سلامتكم، تدعوكم البلدية إلى ملازمة منازلكم، وعدم مغادرتها إلا للضرورة القصوى، وعدم التجمع تحت طائلة المسؤولية والملاحقة القانونية".

تحذيرات مختلفة تصبّ في اتجاه واحد، تتولى القيام بها جهات أمنية وبلدية في لبنان، سواء عبر مكبرات الصوت في الأحياء المختلفة، أو عبر المنافذ الإعلامية والإلكترونية. هذا الاتجاه هو لمكافحة انتشار فيروس كورونا الجديد، بما توفر للسلطات من إمكانات. تلك الإمكانات التي تواجه انتقادات، في كون البلاد لا تملك خطة طوارئ، بل تجتهد السلطات في المنع والحظر وتسجيل المخالفات من دون أن توزع في المقابل مساعدات مختلفة لهذا المواطن الذي لن يتمكن من الوصول إلى مصدر رزق حاسم له. المصدر الذي سيحاول الوصول إليه، وإن تحدى خطر الإصابة بالفيروس، فخطر الجوع أكبر في تصوره وأكثر قرباً من واقعه، بدليل معدته الخاوية.

لكن، بعيداً عن التأويلات المرتبطة بتلك الخطط التي يفترض أن تكون موجودة في كلّ دولة، وإن كانت صغيرة كهندوراس مثلاً، التي أقرت مساعدات غذائية لنحو ثلث سكانها، فإنّ لكلمة "المواطنين" و"المواطنات" و"المواطَنة" وقعاً خاصاً في بلد مثل لبنان، لا يحظى فيه هؤلاء المواطنون والمواطنات، أو المواطنات والمواطنون، بهذه "التحية" إلا في خطابات رسمية تبيعهم الكلام بيعاً.

تكفي مقارنة هذا النداء بنداءات دينية، وطائفية، وحزبية، ومناطقية لطالما انتشرت، ليكون له طابع خاص مختلف هذه المرة، وإن ترافق مع أزمة صحية عالمية. نداءات من قبيل "يا جماهير حزبنا" و"يا أبناء أمتنا" و"يا أبناء المسيرة" و"يا أيّها السائرون على خطى القائد" وغيرها.

ولعلّ السؤال مشروع عما إذا كانت السلطات، في بلدان كلبنان، لا تنتبه إلى أنّ المواطنين مواطنون، إلا في مثل هذه الأزمات التي تبيعهم الكلام مجدداً، بترافقه مع التحذيرات والتهديدات. فللمواطن حقوق وعليه واجبات، كما تقول ديباجات كتب التربية الوطنية والتنشئة المدنية المستقاة من الدستور والقوانين. وبينما تحدد السلطات في إطار "إعلان التعبئة العامة" الذي يعيشه لبنان حالياً، واجبات المواطن في الامتثال لأوامرها فحسب، فإنّها تغفل عن تلك الحقوق التي يملكها. ولا بدّ من التذكير هنا بأنّ المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليت، ناشدت قبل أيام، الدول في مكافحتها وباء كورونا الجديد، اعتماد سلسلة من الإجراءات الإضافية للحدّ من التأثير السلبي المحتمل على حياة الناس خصوصاً الفئات الفقيرة.



الأمل الحالي الأكبر هو أن تنتهي موجة التهديد والرعب العالمية التي يسببها وباء كورونا الجديد، لكنّ الأمل المستدام هو أن يصل المواطنون إلى كامل حقوقهم بموجب مواطَنتهم - والأولى بموجب إنسانيتهم - قبل انتهاء تلك الموجة وفي أعقابها.

دلالات

المساهمون