كوكب كورونا

كوكب كورونا

16 مارس 2020
الخوف هو الذي وجّه مشاعرنا (هكتور ريتامال/ Getty)
+ الخط -
وكأنّ كوكب الأرض كلّه ضاق بنا بسبب فيروس كورونا. أسقط الخوف من الفيروس نظرتنا للعديد من المنظومات التي ظننّا أنه يمكن الاعتماد عليها، وكشف هشاشتها. لا إقفال الحدود يمنع الانتشار، لا إيقاف الطيران يمنع الانتشار، ولا كل إجراءات الدول (الحرة والديمقراطية على الأقل) تمنع الانتشار. كأن الدنيا دارت ولم نعد نستوعب ما يحصل من حولنا. بل لكأننا في منتصف فيلم خيال علمي نتمنى لو ينتهي وتطفئ صالة السينما أنوارها فنعود إلى المنزل، فننسى، كأننا لم نشاهد، ولم نشعر، ولم نتأثّر.

هل بالغنا بردود فعلنا؟ ربما نكون قد فعلنا ذلك. لكنه الخوف الذي وجّه مشاعرنا. صرنا خائفين من الإصابة، وخائفين من أن نفقد المياه والغذاء والمعقمات والإنترنت. وقبل ذلك وأهمّه، صرنا خائفين من أن نفقد الذين نحبهم. في لحظة واحدة شعرنا بأن هذا العالم الكبير بكل ما يحمله من تطوّر وعلوم وثقافة وفنون غير قادر على الصمود بوجه فيروس أصغر من أن نراه بالعين المجردة.

ردّنا الفيروس، ومن خلفه الخوف الذي انتابنا، إلى المنزل. إلى المساحة الأولى التي نخرج منها إلى الدنيا. إلى مساحة الأمان الوحيدة التي نعود إليها في كل مرة عندما تخذلنا الحياة. نعود إليها لاستجماع القوة من أجل الخروج مجدداً ومواجهة العالم. لكننا في هذه المرة قد نتأخر قليلاً. ننتظر ونتابع باهتمام عمل العلماء الذين يبحثون عن دواء قبل أن يتوسع الانتشار الذي يُسرع إيقاعه يوماً بعد يوم. نتابع ونحتسب كل دقيقة بعدما بتنا في سباق مع الفيروس. هو يصول ويجول في مختلف أنحاء الأرض، والعلماء يبذلون جهوداً مضاعفة للوصول إلى الدواء.

غريب كم باتت الأرض ضيقة وخانقة وثقيلة تحت أقدامنا. بات النزول إلى الشارع غير آمن، وركوب وسيلة نقل عام مجازفة، والذهاب إلى العمل مغامرة، وعناق الأصدقاء خطراً، واستخدام المال أمراً غير محمود، ومشاهدة فيلم في السينما أو لقاء صديق في المقهى مشكلة، والمصافحة تهوّراً، والتقبيل ممنوعاً. بات كل ما يعرّضنا للمس الآخرين أو الاتصال بهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، أمراً يجب تجنّبه حفاظاً على الصحة.




بعد التخلص من الفيروس سنفكّر في أشياء كثيرة. بالكوكب ومصيره، وبالإنسان، وبأنظمتنا السياسية والاقتصادية، وبعاداتنا الاجتماعية، وبكثير من التفاصيل التي لم ننتبه إليها ولم نتوقف عندها من قبل. لكن إلى حين الانتهاء من الوباء والوصول إلى وقت المراجعة: الزموا منازلكم.

دلالات

المساهمون