مشاهد شتوية مؤلمة من معاناة النازحين في إدلب

مشاهد شتوية مؤلمة من معاناة النازحين في إدلب

عبد الله البشير

avata
عبد الله البشير
08 فبراير 2020
+ الخط -
لا تنتهي معاناة النازحين السوريين ولا مخاوفهم من رحلة البحث عن مكان يوفر لهم بعضاً من الأمان المفقود، ففصل الشتاء يلقي بثقله عليهم ويزيد آلامهم، وبرده يجعل أطرافهم ترتجف، وأمطاره تحيل طرق مخيماتهم الترابية إلى وحل وطين، ولا يكتمل المشهد إلا برياح وعواصف تمزق خيامهم ليجدوا أنفسهم مرة أخرى في العراء..

عاصفة تمزق المأوى

تتعرض منطقة شمال غربي سورية لعاصفة مطرية مصحوبة برياح قوية منذ يومين، وتشير توقعات الأرصاد إلى أن يوم غد الأحد قد تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر المئوية. وكان مخيم "شام 2" من بين المخيمات التي تضررت جراء هطول الأمطار والحالة الجوية السيئة.

وقال مدير المخيم بهجت أبو عهد لـ"العربي الجديد": "المخيم في الوقت الحالي يضم 150 عائلة وعدد القاطنين فيه 934 نسمة، وبالنسبة للأضرار جراء العاصفة، تمزقت أغطية بعض الخيام كونها مصنوعة من البطانيات والأغطية القماشية، بينما دخلت مياه الأمطار العديد من الخيم، كما أغلق الطريق الوحيد المؤدي للمخيم بسبب الوحل، وحاليا نعاني من كثرة الأمراض الصدرية، من الإنفلونزا الموسمية ونزلات البرد، أيضا هناك كبار في السن يعانون من أمراض مزمنة، منها ضغط الدم والسكري، ونحن عاجزون عن إيصالهم إلى أي مركز صحي بسبب الظروف الحالية".

ولشدة ما يعانيه النازحون من ظروف تعيسة في المخيمات، لا يخفي النازح من ريف إدلب الجنوبي أيمن سعدو حزنه وحجم الألم الذي يعتصر قلبه، ويقول لـ"العربي الجديد": لديّ ثلاثة أطفال، ابنتي الكبرى بلغت الثامنة مع عمرها، أحتضنهم كل صباح، لا أعرف هل سنبقى هكذا مشردين في خيمة باردة، نحلم بالعودة لبلدتنا. كثيرا ما أفكر لو أننا متنا جميعا في القصف على البلدة ولم نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم".

من جهته، يتحدث مدير المكتب الإعلامي بالمجلس المحلي لمدينة سرمين نصر الدين حسون، لـ"العربي الجديد" عن معاناة النازحين، ويقول إنهم سيتأثرون حتما بالظروف الجوية السيئة حاليا، فمن وصل إلى المناطق الحدودية من النازحين، مؤخرا، وتمكن من الحصول على خيمة لن يكون لديه مواد تدفئة، وسيعاني من البرد، وسينتظر ريثما يحصل على مواد تدفئة من إحدى المنظمات، وكثير من أهالي مدينة سرمين غادروها لا يحملون معهم أي شيء".

ويضيف حسون: "هناك بعض العوائل في الوقت الحالي لم تحصل على مأوى، سيفاقم البرد والمطر معاناتها، لكن بالنسبة لأغلب النازحين الذين توجهوا لأقارب لهم، فنجد 4 عوائل تتشارك المأوى ذاته، المهم لديهم هو إيجاد مأوى، والوضع الأصعب هو ما تعانيه العوائل النازحة التي وصلت إلى المناطق الحدودية، فالذي يحدث أن هذه العوائل عند وصولها إلى المنطقة تبني خيامها بشكل عشوائي، وليس هناك جهة توفر لها الخدمات خاصة مواد التدفئة، وبتفاصيل أدق، عند وصول العوائل النازحة تقوم عائلتين أو أكثر ببناء خيمة والإقامة فيها بأي نقطة من المنطقة الحدودية، فهم لا يذهبون إلى مخيمات منظمة وليست لديهم مدافئ أو شيء يقيهم البرد".

أعداد النازحين تزداد 

ووثق فريق "منسقو استجابة سورية"، في السادس من فبراير/ شباط الجاري، نزوح أكثر من 400 ألف مدني جراء العمليات العسكرية، منذ مطلع يناير/كانون الثاني حتى السادس من الشهر الجاري، مشيرا إلى أن العمليات العسكرية تهدد نحو 1.2 مليون نسمة في مدينة إدلب ومحيطها، مع تدمير نحو 120 منشأة حيوية في المنطقة، واستمرار استهداف النازحين على الطرق الرئيسية على الرغم من تحييد الأمم المتحدة لها.

وكان الفريق قد أحصى، في بيانات سابقة له، نزوح نحو 1.7 مليون نسمة منذ التوصل إلى اتفاق منطقة خفض التصعيد بين كل من روسيا وتركيا في إدلب، موضحا أن منطقة شمال غربي سورية تعرضت لأربع علميات عسكرية، الحملة الأولى بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وتسببت بنزوح نحو 37 الف شخص، بينما تسببت الحملة العسكرية الثانية في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2018 بنزوح 41 ألفا، أما الحملة الثالثة والتي بدأتها قوات النظام بدعم روسي، في فبراير/شباط 2019، فأدت لنزوح 966 ألف شخص، والحملة الرابعة بدأت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 متسببة بنزوح نحو 382 ألف شخص، بينما الحملة العسكرية الرابعة التي لا تزال مستمرة، وأطلقت في يناير/كانون الأول 2020، تسببت بنزوح نحو 400 ألف شخص من أرياف محافظتي حلب، الغربي والجنوبي، وإدلب، الشرقي والجنوبي.

الأطفال بلا ملابس شتاء

يوضح الناشط الإعلامي خضر العبيد لـ"العربي الجديد" أن كثيرا من الأطفال في مخيمات المناطق الحدودية ليست لديهم ملابس كافية تقيهم برد الشتاء وقسوته، ويقول: "في الوقت الحالي لم تصدر أية إحصائية عن حجم الأضرار في المخيمات بسبب العاصفة، لكن واقع النازحين يبعث على الأسى، فالخيمة لا يمكنها صدّ البرد ومنعه عنهم، ومعظم الخيم بنيت على أرض ترابية لا تمنع دخول المياه للخيمة، وكذلك الريح القوية تمزقها بسهولة".

ويضيف العبيد: "الوضع مأساوي في الحقيقة، لا تزال السيارات تقل النازحين على الطرق، ولجأت بعض العوائل إلى المساجد في المناطق الحدودية مثل بلدة كللي، ومن النازحين من اضطر لشراء خيمة بقيمة 100 دولار، فالبقاء في العراء تحت المطر أمر صعب جدا عليه وعلى أطفاله".

وكانت ثماني منظمات إنسانية دولية قد دعت، يوم الأربعاء الماضي، لوقف فوري لإطلاق النار في سورية، محذرة من كارثة إنسانية، من بينهما لجنة الإنقاذ الدولية ومنظمة إنقاذ الأطفال والمجلس النرويجي للاجئين، بينما حذرت منظمة الصحة العالمية من تفشي الأمراض في المنطقة بعد تعليق 53 منشأة صحية عملها في المنطقة، بسبب انعدام الأمن والتهديدات المتعلقة بالهجمات، أو بسبب تحوّل التجمعات السكنية إلى مناطق مهجورة بعد رحيل سكانها بحثا عن الأمان من العنف والقصف اليومي.

ذات صلة

الصورة
طارق الدحدوح نازح فلسطيني في رفح جنوبي قطاع غزة 1 (العربي الجديد)

مجتمع

من شمالي قطاع غزة المحاصر والمستهدف عسكرياً إلى أقصى الجنوب، نزح الفلسطيني طارق الدحدوح مع شقيقَيه وعدد من بقراته ومجموعة من الدجاج.
الصورة
نازحون فلسطينيون يلعبون الكرة الطائرة في المواصي في جنوب غزة (العربي الجديد)

مجتمع

من وسط أحد المخيّمات العشوائية في رفح جنوبي قطاع غزة، تصدح ضحكات النازحين. ويحاول هؤلاء إيجاد هامش لهو لهم في ظلّ المأساة، فيلعبون كرة الطائرة.
الصورة
نازحون فلسطينيون في رفح (عبد زقوت/ الأناضول)

مجتمع

يتخوّف النازحون في رفح الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة من اجتياح قوات الاحتلال هذه المدينة التي تُعَدّ ملاذاً أخيراً لنحو مليون ونصف مليون فلسطيني.
الصورة
عائلة غنام في عزمارين السورية تعيش ألم الزلزال (عامر السيد علي/ العربي الجديد)

مجتمع

مضى عام على كارثة الزلزال الذي ضرب شمال غرب سورية والجنوب التركي، وخلف معاناة لدى الناجين منه، خاصة العوائل التي فقدت أفراداً منها.

المساهمون