متزوجّون بلا حدود... ثنائي فرنسي يجول العالم

متزوجّون بلا حدود... ثنائي فرنسي يجول العالم

25 فبراير 2020
حب مستمر منذ 8 سنوات (العربي الجديد)
+ الخط -
عندما وقع إتيان وغايتان دو فالبراي في الحب منذ ثماني سنوات، كان لهما حلم مشترك يجمعهما، وهو أن يسافرا حول العالم معاً. كثر هم الذين يتشاركون هذا الحلم الشائع. لكنّ ما يميّز تجربة إتيان وغايتان أنهما لم يكتفيا بالحلم بل سعيا إلى تحقيقه. وحلمهما هذا يحمل معنى مختلفاً كلياً عن فكرة السفر السائدة. تقول غايتان: "كانت فكرة السفر من أجل السياحة وحسب غير واردة عندنا إطلاقاً".

قبل ثلاث سنوات، أسّس الثنائي الفرنسي البالغ من العمر 26 سنة، جمعية أطلقا عليها اسم "متزوجّون بلا حدود". الهدف منها هو حث المتزوجين اليافعين والجدد على قضاء السنة الأولى من حياتهم الزوجية بشكل مختلف، من خلال السفر حول العالم لمدّة سنة للقاء ومساعدة المجتمعات التي تواجه ظروفاً حياتية صعبة. بحسب غايتان، لا يمكن للسفر ألّا أن يحمل معنى ما، لأن السفر هو في الأساس رحلة للقاء الآخر. كان في إمكان الثنائي الشاب أن يختار وجهة سياحيّة لتمضية شهر العسل والتمتّع بمناظر خلّابة. لكنّ الهدف من رحلتهما هو أن يتعرّف كل منهما على نفسه أكثر، وأن يتعرّف على شريكه، من خلال تعرّفهما على أشخاص ومجتمعات جديدة ومختلفة.

نقطة الانطلاق كانت من لبنان، وتحديداً من بلدة القبيّات في محافظة عكّار شمال لبنان، حيث يمضي الثنائي شهراً كاملاً في مساعدة المجتمع المحلّي. فور وصولهما إلى البلدة، احتفل الثنائي بزفافهما في كنيسة القرية للمرّة الثالثة على التوالي بعدما كانا قد عقدا قرانهما في فرنسا في الثاني والعشرين من شهر يونيو/ حزيران الماضي، مدنيّاً ودينيّاً. فالآباء الكرمليون الذين يستضيفون إتيان وغايتان أرادوا أن يزفّوهما على الطريقة اللبنانيّة.

في القبيّات، يعيش الثنائي حياة أهالي البلدة. يستيقظان في الصباح الباكر ويتوجّهان إلى إحدى مدارس البلدة حيث تدرّس غايتان اللغة الفرنسية انطلاقاً من دراستها لعلوم التواصل، فيما يعطي إتيان، وهو مهندس، حصّة في المعلوماتية للتلاميذ. بعد التعليم، يقوم الثنائي بمساعدة الجمعيات المحلية في عملها الخيري الذي يتراوح بين تقديم الحصص الغذائية للعائلات التي تعاني من ضيق مادي، أو تقديم الدعم لمخيّمات اللاجئين السوريين أو زيارة المرضى والعجزة في دور الرعاية أو العائلات المحتاجة في أماكن سكنها.

أمّا عن اختيار الثنائي للبنان، فيقول إتيان إنّه كان لا بدّ من اختيار بلد في الشرق. وقع اختيارهما على لبنان لأنهما سمعا وما زالا يسمعان الكثير عنه في بلدهما الأم فرنسا. "بالنسبة لنا، يجسّد لبنان القدرة على تخطي الصعوبات والمثابرة على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهه، وأبرزها تعايش 18 طائفة في وطن واحد". في هذا السياق، يشير إتيان إلى أنّ الحدود التي ترد في اسم الجمعية لا تشير إلى الحدود الجغرافية فحسب بل إلى الحدود المعرفيّة التي تنشأ بين الناس، وبين الشعوب والثقافات.

يشرح أكثر: "في فرنسا مثلاً، تردنا أخبار كثيرة عن لبنان لكن صياغتها تختلف من منصة إلى أخرى باختلاف التوجهات والأهداف السياسية لكلّ منها. انطلاقاً من هنا، أردنا أن نعاين الأشياء بأعيننا كما أردنا أن نزور المجتمعات المحلية الأكثر هشاشة إضافة إلى مخيّمات اللاجئين السوريين. نريد أن نتعرّف على هذه المجتمعات وجهاً لوجه ونحاول أن نقدّم لها الدعم بشكل أو بآخر".

جمعهما حب السفر (العربي الجديد) 

تضيف غايتان: "مهمّتنا لا تقتصر على المساعدة خلال الرحلة بل تشمل الإدلاء بشهادات لدى عودتنا إلى فرنسا، وتشجيع الآخرين على القيام برحلات مماثلة وزيارة لبنان، لا للتمتع بالمحطات السياحية فحسب – ولبنان غنيّ بها – إنما من أجل التعرف على غنى هذا البلد الحقيقي الذي يكمن في ناسه وقصصه". يعلّق إتيان على حديث زوجته: "كل الهدف من جمعيّتنا ومن رحلتنا هذه هو التركيز على الإنسان نفسه".

على الرغم من التزامهما الديني، إلا أن الثنائي يؤكد على أنّ "متزوّجون بلا حدود" لا تميّز بحسب الأديان. تعتبر الجمعية أن الإنسان الذي يبحث فعلاً عن مساعدة الآخرين لا يمكن له أن يهتمّ بدين الآخر أو طائفته. تترك الجمعية للثنائي الذي ينضم إليها حرية اختيار البلدان والمشاريع التي يرغب بالقيام بها، كل ثنائي بحسب القضايا التي تمسّه شخصياً. لكن للجمعية عددا من القواعد الذهبية ومنها أن يكون الثنائي متزوّجا لأن الفكرة تقوم على الالتزام بين الزوجين، وأن يكون مشروعهما في خدمة كرامة الإنسان.

حياة الثنائي الزوجية هي أيضا هدف أساسيّ للجمعيّة. تقول غايتان إنها وإتيان ينويان بناء زواجهما على الصخر، أي على أسس قوية ومتينة. تضيف: "في فرنسا، وفي الغرب بشكل عام وخاصة في أوروبا، أصبح الزواج أكثر تعقيدا كما أصبح الطلاق أكثر شيوعاً". تتابع: "هذه الرحلة التي نقوم بها والتي تمتد عاماً كاملاً ليست ضمانة أكيدة لاستمرار ونجاح زواجنا لكنها الطريقة التي اخترناها إتيان وأنا".

بالنسبة للثنائي، فإنّ خروجهما من محيطهما المألوف بعيداً عن العائلة والأصدقاء، وتمضية سنة كاملة مع بعضهما البعض وجها لوجه، ولقاء أشخاص جدد ومشاركة تجارب مختلفة انطلاقاً من وجهتي نظر مختلفتين، من شأنه أن يقويّ العلاقة بينهما.


يرى الثنائي أنّ مشروع "متزوجون بلا حدود" قد ينقذ يوماً ما زواجهما أو زواج أي ثنائي يختار أن يقوم برحلة مماثلة في المستقبل. فالحياة الزوجية، بحسبهما، ليست دائما ورديّة ويمكن أن تكون صعبة جداً في بعض الأحيان. تقول غايتان: "نتمنّى أن تكون هذه الرحلة هي ملاذنا في كل مرّة نواجه صعوبات الحياة اليومية، أن نتذكّر كيف يكافح اللبنانيون اليوم من أجل لقمة عيشهم ومن أجل حياة كريمة وأن نكافح نحن أيضاً من أجل زواجنا وعائلتنا في المستقبل. أن نتذكّر أننا جلنا العالم معا لمدة سنة وأننا واجهنا تحديات كبرى وأن ما من شيء يصعب علينا بعد ما عايشناه وما شهدناه معا، خصوصا في المجتمعات التي تمرّ بظروف صعبة".

من جهته، يعتبر إتيان أنّ رحلتهما التي بدأت منذ حوالي الشهر من شأنها أن تعلّمهما الكثير عن حياتهما المشتركة: "نحن الاثنين كمن يبحث عن مكوّنات لطبخة. بعد سنة، نكون قد زرنا 15 بلداً، وقمنا بأربع مهمات إنسانية في أربعة بلدان نقضي في كل منها شهرا واحدا. من ثم نعود أدراجنا مع وصفة، ليست سحرية على الأكيد، إنما فيها مطيّبات جمعناها من كل ثقافة وكل مجتمع عشنا فيه، علّها تساعدنا في بناء حياتنا الخاصة".