"غراب الشؤم" ثالث أذكى الأحياء على الأرض

"غراب الشؤم" ثالث أذكى الأحياء على الأرض

23 فبراير 2020
نذير للموت؟ (أرتور ويداك/ Getty)
+ الخط -
تشمئز الشعوب بمعظمها من الغربان، فهي تُعدّها جالبة لسوء الحظ أو نذيراً للموت وتربطها بالساحرات. والغربان من أكثر الطيور التي تناولتها الأساطير إلى جانب البوم. بالنسبة إلى العرب، يُقال عن الشخص الذي يأتي بالأخبار السيئة إنّه "غراب شؤم"، ويربطون مظهر الغراب الأسود بالحداد والموت. أمّا في اليابان، فثمّة شذوذ عن ذلك، والغراب هو شعار منتخبهم لكرة القدم، علماً أنّ في الثقافة اليابانية الغراب محلّ احترام وتقدير.

ثمّة أديان تؤمن بأنّ الغراب هو الذي علّم الإنسان دفن موتاه، فهو ينظّم كذلك المآتم للطيور التي تنفق من جنسه. والذي يقوم بذلك لا بدّ من أن يكون ذكياً. هل هو كذلك بالفعل؟ تبيّن دراسات أنّ الغراب طائر يعيش على مقربة من الإنسان ويتغذّى على قائمة طويلة من الأطعمة، بما في ذلك الجيف. ويعيش الذكر مع شريكته الأنثى كثنائيّ طول حياتهما، ولا يفرّقهما إلا الموت أو العقم. فإذا وضعت الأنثى البيض وحضنته ولم يفقس، فإنّ كلاً منهما يذهب في سبيل حاله ليبحث عن شريك آخر لعلّه يحظى بفراخ. وإذا لم يعمد الاثنان إلى ذلك، فلن يُعرف من المصاب منهما بالعقم. كذلك فإنّ لدى الغربان محاكم يمثل أمامها كلّ من يتحرّش بأنثى غيره أو يخرب عشّ غراب آخر وقضايا أخرى. وللغربان مناطق تدافع عنها، فإذا شاهدت ابن آوى مثلاً أو ثعلب تطير إليه لتطرده، أو قد تصادف عقاباً أو باشقاً أو صقراً فترتفع إليه وتضايقه من دون خوف إلى أن يغادر المنطقة.

من جهة أخرى، أثبتت دراسات أنّ الغراب ليس سارقاً ولا ملتهماً لبيض الطيور الأخرى إلا في حالات شاذة، وهو يتمتّع بدماغ كبير لجهة صناعة الأدوات واستخدامها واتّخاذ القرارات، ويحلّ ثالثاً بعد الإنسان ثمّ الدلفين. كذلك، يحلّ ذكاء الغراب ما بين ذكاء الدلافين والقرود، وثمّة من يُطلق على الغربان لقب القرود ذات الريش. وقد أجريت اختبارات عدّة على الغربان، فتبيّن أنّها تجد حلولاً غير متوقّعة للوصول إلى غايتها وتصنع أدوات لاستخراج الحشرات من جذوع الأشجار وتبحث عن حلول للوصول إلى أشياء في قاع أنابيب ضيّقة وعميقة. يُضاف إلى ذلك أنّها تقلّد الأصوات، لا بل تستخدم أصوات غيرها لأهداف مختلفة. ربما لم يتسنَّ لكثيرين التأكد من هذه الأمور، لكنّ علم الطيور أثبتها من خلال فحص مناطق مستقبلات المخّ لكلّ تجربة، فتبيّن أنّه على الرغم من اختلاف تكوين مخّ الإنسان عن مخّ الغراب، فإنّ المنطقة التي يتركز فيها نشاط المخّ عند الغراب في أثناء إيجاد الحلول هي nidopallium caudolaterale التي تشبه خلاياها نوعاً ما خلايا القشرة المخيّة الجبهيّة عند الإنسان، فهناك يتركّز معظم التفكير واتخاذ القرارات. بالإضافة إلى ذلك، يُعرف عن الغراب أنّ ذاكرته قويّة للوجوه. فإذا عمد أحدهم إلى إيذاء غراب فإنّه سوف يتذكّره وقد يهاجمه ولو بعد حين.

ومن أجل التوعية حول المحافظة على الغربان، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الغراب يعود بفائدة كبيرة على المزارعين لأنّه يلتهم الحشرات والديدان واليرقات في الأرض، خصوصاً الأراضي التي تمّت حراثتها. كذلك تفيد الغربان غابات البلوط والسنديان والصنوبر والشوح والسرو وغيرها، فهي تعمد إلى تخبئة البذور في الأرض إلى وقت الحاجة، ولأنّها تخبّئ أكثر من حاجتها فإنّ البذور المتبقية تنبت أشجاراً جديدة، تماماً كما يفعل أبو زريق الذي هو من الغربان، وهو النوع الوحيد الملوّن من الغربان في بلادنا.




من جهة أخرى، يستفيد الغراب من الذئاب التي تترك له بقايا ما اصطادته من فرائس. والذئاب بدورها تستفيد من تجمّع الغربان الذي يدلّها على وجود حيوان نافق. تجدر الإشارة إلى أنّ الذئاب صارت تميّز أصوات الغربان التي تدعو بعضها بعضاً إلى وليمة، فتعرف إلى أين تتوجّه للمشاركة. أمّا الغربان فتستدرج الذئاب حتى تفتح لها جلد الحيوان النافق إذا كان ذلك صعباً عليها. وبعدما يلتهم الذئب ما يريده، فإنّه يترك البوفيه مفتوحاً للغربان. في أثناء تناول الطعام، لا مجال للمزاح، لأنّ الغراب يعرّض نفسه للقتل على يد الذئب. لكن بعد ذلك، وعند الشبع، نجد الذئاب والغربان في بعض الأحيان تلهو مطاردة بعضها بعضاً من دون أن يلحق أيّ منها أذى بالآخر.

*متخصص في علم الطيور البرية

دلالات

المساهمون