مشروع القانون الجنائي يشعل خلافات داخل التحالف الحكومي بالمغرب

مشروع القانون الجنائي يشعل خلافات داخل التحالف الحكومي في المغرب

21 فبراير 2020
التراجع عن الاتفاق السابق حصل في مجلس النواب(مصطفى حبيس/الأناضول)
+ الخط -
دخل الخلاف بين مكونات التحالف الحكومي في المغرب، حول مشروع القانون الجنائي، منعطفاً جديداً ينذر بمزيد من التصعيد بين حزب العدالة والتنمية القائد للتحالف، ووزير العدل المنتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وتسبب قرار فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، الغرفة الأولى للبرلمان، الخميس، بالتراجع عن اتفاق سابق بوضع تعديلات مشتركة بين فرق الأغلبية الحكومية تخص مشروع القانون الجنائي، في إذكاء نار الخلافات التي تعيش على وقعها الأغلبية، بعدما لجأ إلى سحب التعديل رقم 31، الذي كان قد اقترحه بمعية باقي فرق الأغلبية بشأن النقطة المتعلقة بالإثراء غير المشروع.

وفي الوقت الذي برر فيه الفريق النيابي، على لسان رئيسه مصطفى إبراهيمي، سحب التعديل المتعلق بالإثراء غير المشروع بـ"استنفاد السبل كافة للتوافق على تعديلات من شأنها المساهمة في محاربة الفساد" رأت فيه أطراف في الأغلبية بأنّه إيذان بدخول المشروع مرحلة "البلوكاج" (الانحباس)، كما رأت فيه انقلاباً على منهجية التوافق المتفق عليها بين قادة التحالف الحكومي، وأيضاً "خطوة غير مبررة تروم قطع الطريق على وزير العدل ومحاولته مراجعة المشروع".




طوال الأسابيع الماضية، عاشت الأغلبية على وقع الخلافات بسبب استمرار تباين مواقفها، لا سيما بين حزب العدالة والتنمية المتمسك بالنص، كما أعده وزير العدل والحريات الأسبق المصطفى الرميد، والوزير الاتحادي محمد بنعبد القادر الرافض لمناقشة مشروع قديم "لا ناقة ولا جمل" للحكومة الحالية فيه، والمطالب بأن تحاط هذه الأخيرة علما به وتطلع على محتوياته وتتخذ القرار المناسب لاستكمال مسطرة التشريع.

وقال وزير الدولة والقيادي في حزب بجيدي، المصطفى الرميد، إنّ الحكومة لن تسحب مشروع القانون الجنائي بسبب التباين الحاد مع وزير العدل الحالي، الذي سارع، الجمعة، إلى توجيه انتقادات حادة إلى حزب رئيس الحكومة، مؤكداً أنّ ربط تعثر مشروع القانون الجنائي بالخلاف حول مادة من مواده هو ليس فقط اختزالاً للموضوع، بل "تضليل للرأي العام وافتعال حالة سياسية مصطنعة لرهانات غير معلنة". الوزير اعتبر، في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية، أنّ "القول إنّ تأخر أو تعثر مشروع قانون يلحق في تعديلاته أكثر من 80 مادة بسبب مادة الإثراء غير المشروع، يعد ضغطاً وتشويشاً على النقاش وتنميطاً للتعبير عن وجهة النظر، إذ إنّ ما أثير حول المشروع يفتقد إلى الدقة، وأحياناً كان هناك كثير من الإثارة والاختزالية". وشدد على ضرورة أن يتوفر المغرب على سياسة جنائية واضحة، إذ لا يمكن الحديث عن جانب الحريات ومحاربة الفساد والإجهاض وتعزيز النزاهة في المرفق العام ومحاربة الجريمة في غياب رؤية متكاملة ومنسجمة، معتبراً أنّ النظام العام في المجتمعات المعاصرة والفكر الجنائي العصري يكون مكتوباً وليس مجرد "استهامات (تهيؤات) عقائدية" لهذا الطرف أو ذاك أو إسقاطات على نسق قيمي معين.



وبحسب مصادر من الأغلبية، فإنّ رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، باعتباره قائد الأغلبية الحكومية، مطالب باستعجال الدعوة إلى اجتماع لقادتها خلال الساعات القليلة المقبلة، لتجنب أزمة غير مسبوقة في البيت الحكومي، وذلك بالحسم في مصير المشروع المعلق بمجلس النواب منذ أكثر من أربع سنوات. وأشارت المصادر لـ"العربي الجديد" إلى أنّ رئيس الحكومة مطالب بإنهاء الصراع الدائر بين حزبه المتمسك بالنص، كما أعده وزير العدل والحريات الأسبق المصطفى الرميد، والوزير بنعبد القادر الرافض لمناقشة المشروع.

ووفق المصادر نفسها، فإنّ أحزاباً في الأغلبية الحكومية لم تخفِ غضبها مما اعتبر تدخلاً من الرميد في مشروع القانون الجنائي و"تطاوله" على اختصاصات وزير العدل، لافتة إلى أنّ الاجتماع المرتقب لزعماء الأغلبية سيعرف، لا محالة، نقاشاً سياسياً ساخناً لا سيما بين حزب العدالة والتنمية وبين حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

وفيما تبدي المصادر، التي تحدث إليها "العربي الجديد"، تفاؤلاً بإمكانية تهدئة الأوضاع داخل بيت الأغلبية، لكنّ "الشيطان موجود في التفاصيل"، فهناك عوائق كثيرة تجعل أزمة مشروع القانون الجنائي مرشحة لمزيد من التعقيد.

وبحسب المراقبين، فإنّه يمكن رصد الصورة الأوضح للأزمة التي أثارها مشروع القانون الجنائي، من خلال "مطب" الحريات الفردية، ففي الوقت الذي يحرص فيه حزب العدالة والتنمية على الإبقاء على فصول تتعلق بتجريم الإثراء غير المشروع، والحفاظ على حالات محددة للجوء للإجهاض، يدفع حزب الاتحاد الاشتراكي، بمعية أحزاب أخرى، في اتجاه الحسم أولاً في القوانين المتعلقة بالحريات الفردية، والتي تجاهلها وزير العدل والحريات الأسبق مصطفى الرميد، حين أعد مشروع تعديل القانون الجنائي، بانتقاء 83 مادة فقط، من بين 600 مادة يضمها القانون الجنائي.

وبرأي المراقبين، فإنّ أغلبية العثماني تواجه امتحاناً صعباً قد تكون له كلفة ثقيلة، بسبب رغبة أطراف داخلها في الدفع، وإن بشكل محتشم، في اتجاه إزالة تجريم العلاقات الرضائية بين الراشدين، والتي ينص عليها الفصل 490 من القانون الجنائي، ومخاوف قائمة بشأن تأزيم العلاقات داخل الأغلبية الحكومية جراء المساس بمرجعيات دينية.

بدوره، يرى الخبير الدستوري رشيد لزرق أنّ الأغلبية المشرّعة باتت وكأنها موجهة بأن تمطط وتطيل فترة مناقشة مشروع القانون الجنائي من دون بوصلة، مشيراً في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أنّ المشهد الحزبي المغربي اعتاد على كون التراشقات بين الأغلبية الحكومية لا تؤدي إلى الوضوح السياسي، بل إلى التوافق في نهاية المطاف، وهي معضلة تعاني منها الحكومة الحالية.




ويقول الخبير الدستوري إنّ على الحكومة والبرلمان إيقاف هذا العبث الحزبي، عبر التطبيق الصارم لأحكام الدستور واحترام المشروعية وما تعنيه من أخلاق وطنية قبل أن تكون سياسية، معتبراً أنّ انشطار الأغلبية الحكومية يظهر عدم جدية الأحزاب في مواجهة العديد من المعضلات التي تواجه البلاد. وبحسب لزرق، فإنّه لا يتعين اختزال النقاش بشأن مشروع القانون الجنائي في بعض القضايا المثيرة للتجاذبات، بل يجب التعامل معه، في أسسه وأصوله الكلية، من خلال مقاربة شاملة حديثة.

المساهمون