سعوديات يمارسن التدخين بعيداً عن أعين أسرهن

سعوديات يمارسن التدخين بعيداً عن أعين أسرهن

16 فبراير 2020
كان تدخين النساء محظورا في السعودية (هيثم التابعي/فرانس برس)
+ الخط -
دخلت الشابة السعودية ريما مقهى في العاصمة الرياض، وتفحصت وجوه رواده مليّا. أدركت أن أحدا لا يعرفها، فبدأت بتدخين سجائرها الإلكترونية علنا، ورغم أنها سعيدة بممارسة "حريتها"، لكنها لا تزال تفعل ذلك بعيدا عن أعين أسرتها.
وتقول ريما، وهو اسم مستعار لموظفة في شركة خاصة في وسط الرياض عمرها 27 سنة، "تدخيني علنا مرتبط بممارسة حريتي المكتسبة أخيرا في المجتمع. أشعر أنني حرة وسعيدة لأنه لدي الخيار".
وبات تدخين النساء للشيشة والسجائر مشهدا مألوفا ومسموحا به في كثير من الأماكن العامة في السعودية، وهو أمر لم يكن من الممكن تخيله قبل أشهر قليلة. وتتخوف ريما التي تدخّن لأربع ساعات على الأقل يوميا أن يفتضح أمرها أمام عائلتها، وقد بدأت ريما التدخين سرا قبل عامين على سبيل "التجربة"، لكنها باتت الآن تدخن السجائر الإلكترونية بعد أن أهدتها إياها شقيقتها المدخنة.
وتقول الشابة التي كانت ترتدي عباءة سوداء مطرزة بخيوط وكرات ذهبية اللون تتماشى مع غطاء رأسها الرملي "لن أقول لهم إنها حريتي لأنهم لن يفهموا أن التدخين حرية للنساء مثل الرجال".
وأجرت المملكة تغييرات اجتماعيّة أبرزها رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيّارات، وإعادة فتح دور السينما، والسماح بإقامة حفلات غنائية صاخبة، وحتى غض النظر عن إبقاء المتاجر أبوابها مفتوحة في أوقات الصلاة، فضلا عن وضع حد للحظر على الاختلاط بين الرجال والنساء في مجتمع محافظ إلى حد كبير.

ولا تزال السعودية تواجه اتهامات من منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان بقمع ناشطات قدن لسنوات حراكا يدعو لتغيير وضع النساء في المملكة. وتشكّل النساء قرابة نصف سكان المجتمع السعودي البالغ عددهم نحو 21 مليونا، حسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عام 2018.
وتشكو نجلاء، وهو اسم مستعار لموظفة سعودية (26 سنة)، من أنّ "المجتمع يتقبّل الشاب المدخن، لكن الشابة المدخنة تشكل فضيحة وعارا لأهلها". وتقول "أدخن السجائر منذ كنت بالمدرسة مع كثير من صديقاتي".
واعترفت نجلاء، التي جلست وحيدة وسط طاولات يشغلها رجال مدخنون، بأن هناك نظرات "اشمئزاز" تطاولها بين الفينة والأخرى. لكن الشابة التي كانت ترتدي رداء أصفر بقلنسوة محل الحجاب تقول بثقة وهي تشعل سيجارة "تدخيني العلني تحد للمجتمع. لا بد أن يدركوا أن النساء بات بوسعهن التدخين في كل مكان حتى يصبح الأمر مقبولا".
وتؤكد الفتاة التي وضعت نظارة شمسية كبيرة تخفي ملامحها خشية أن يتعرف عليها أقاربها "حقي لا يزال ناقصا. حقي الكامل سآخذه حين تتقبلني أسرتي كمدخنة"، مشيرة إلى أن أسرة إحدى صديقاتها أدخلتها مصحة للعلاج من الإدمان حين اكتشفت أنها تدخن.
وحسب دراسة أجرتها كلية الطب في جامعة الملك عبد العزيز السعودية في عام 2015 ونشرتها صحيفة "عرب نيوز" المحلية الصادرة بالإنكليزية، فإن 65 في المائة من طالبات المدارس الثانوية السعودية مدخنات بشكل سري، ونقلت الصحيفة عن دراسة مماثلة أنّ السعودية تحل في المرتبة الثانية في الخليج والخامسة في العالم من حيث عدد المدخنات.
وبات من الممكن حاليا مشاهدة امرأة سعودية تقود سيارتها في الشارع ودخان السجائر يعبق داخل مركبتها. ويقول نادل لبناني يعمل في مقهى راق في شمال الرياض: "معظم زبائننا من النساء يطلبن الشيشة. كثيرات يترددن على المكان بانتظام فقط لتدخينها. هذا أمر لم يكن من الممكن تخيله مطلقا قبل ثلاثة أشهر فقط".
ومن ضمن حوالى 15 طاولة في المكان، شغلت نساء حوالى خمس طاولات على الأقل. وقد أمسكت معظمهن بخراطيم الشيشة ذات المبسم الملون، فيما سحب الدخان البيضاء تحوم فوق عباءاتهن السوداء.
وتقول السعودية هبة (36 سنة) والتي كانت تضع غطاء للرأس يكشف نصف شعرها البني: "المملكة كانت منغلقة لسنين طويلة والهيئة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) كانت تمنع كل شيء على النساء".
وتتابع السيدة التي قالت إنها تدخن منذ سنين "لم أكن أتخيل أنني سأتمكن يوما من تدخين الشيشة علنا وسط رجال". وتتابع ضاحكة "الآن كله مسموح، المرأة تخرج دون حجاب ودون عباءة بل وتدخن علنا".
وقالت وزارة الخارجية السعودية في يناير/كانون الثاني، إنّ "المملكة نفذت 12 إصلاحا في الأنظمة واللوائح المرتبطة بالمرأة". وبات من المألوف رؤية نساء يتجولن بلا عباءة أو طاولات لعائلات إلى جانب أخرى لشباب في المطاعم والمقاهي أو مناطق ترفيه مختلطة.
لكن في حزيران/يونيو 2018، وقبل ساعات من إلغاء الحظر الذي كان مفروضا على قيادة النساء للسيارات، أوقفت السلطات نحو 12 ناشطة على الأقل، واعتقلت معظمهن في حملة واسعة، ووجهت لهن اتهامات بالعمالة لجهات أجنبية.
واتهم العديد منهن المحققين بالتعذيب والتحرش الجنسي بهن أثناء احتجازهن، ومنهن الناشطة لجين الهذلول، حسب منظمات حقوقية دولية. وهو ما تنفيه السلطات السعودية تماما.
ويرى وليد الهذلول، شقيق لجين، أنه "لا شك أنّ على المستوى الشخصي هنالك حرية، لكن الهدف من السماح بالقيادة وغيرها من الإصلاحات المرتبطة بالمرأة هو حملة علاقات عامة" لتحسين صورة المملكة في ملف حقوق الإنسان. "اعتقال الناشطات وشيطنتهن هو أكبر دليل على ذلك حتى لا يُنسب فضل الإصلاحات إليهن".

(فرانس برس)

المساهمون