أسرى أطفال... ممثّلون يُحدثون فرقاً في سجون الاحتلال

أسرى أطفال... ممثّلون يُحدثون فرقاً في سجون الاحتلال

17 فبراير 2020
الطفل الفلسطيني ليس بمنأى عن الاعتقال (محمود حمس/فرانس برس)
+ الخط -

عمد ممثّلو الأسرى الأطفال في سجون الاحتلال الإسرائيلي إلى حمايتهم من ممارسات الاحتلال، وتنظيم يومياتهم، وتشجيعهم على التعليم وممارسة الرياضة وحب فلسطين. إلا أنهم قلقون بسبب نقل بعضهم إلى أماكن ليس فيها ممثلين عنهم

مرّ الأسرى الأطفال في سجون الاحتلال الإسرائيلي بفترات وظروف مختلفة على امتداد تاريخ الحركة الأسيرة، أراد خلالها الاحتلال كسر إرادتهم. وأكثر ما يُقلق الحركة الأسيرة في هذه الآونة استهداف الأسرى الأطفال بنقل 33 منهم من قسم خاص لهم في سجن عوفر غرب رام الله وسط الضفة الغربية إلى سجن الدامون في جبال الكرمل، من دون ممثلين عنهم من الأسرى البالغين، للاستفراد بهم.

نضالات
وبالنسبة لممثّلي الأسرى الأطفال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فمن الأهمية بما كان وجود أسرى بالغين معهم. ويؤكّد الأسير المحرر والكاتب الروائي وليد الهودلي لـ "العربي الجديد" أهمية ذلك، وهو من اختارته الحركة الأسيرة كأول ممثل للأسرى الأطفال في سجن هشارون عام 1996، بعد نقلهم من سجن الرملة، إثر مطالبات متكررة من الأسرى.

ولم تتوقّف مطالبات الأسرى بوجود أسرى بالغين مع القاصرين، بل احتجوا على ذلك لتنفيذ مطلبهم، ووصلت الأمور إلى حدّ إرجاع وجبات طعام، وبعث رسائل مطلبية، إلى أن استجاب الاحتلال في عام 1996. لكنّ الموافقة جاءت أيضاً بسبب عدم قدرة الاحتلال على السيطرة على الأطفال ووجود توتر واستنفار دائم في أقسامهم.




الهودلي الذي وجد نفسه ممثلاً للأسرى الأطفال، أو كما تحب الحركة الأسيرة أن تسميهم الأسرى "الأشبال"، وأصبح ممثلاً لهم باسم كل الفصائل، يشير إلى أن الأطفال يعانون ظروفاً قاسية، من طعام سيئ وقمع متواصل وحرمان من أبسط الحقوق التي يتمتع بها الكبار، كوجود أكثر من 15 طفلاً في غرفة واحدة، وعدم توفير مواد التنظيف وأدوات الرياضة وحتى المذياع والتلفزيون.

ترميم
ويوضح الهودلي: "بدأنا من الصفر في إنجاز بعض الحقوق، وأصبح في الغرفة ثمانية أسرى بدلاً من العدد الكبير. أعدنا تنظيم أوقاتهم، هم الذين كانوا يسهرون ليلاً وينامون نهاراً، وأعدنا لهم الثقة في أنفسهم، بعدما عانوا لفترة طويلة من لعبة استخبارية، إذ تُحاول الاستخبارات الإسرائيلية الدخول في ما بينهم. وكان الأطفال يكيلون الاتهامات إلى بعضهم بعضاً، خصوصاً أن إدارة السجون كانت تستفرد بهم وتزرع الشك في ما بينهم".



والأهم من ذلك أنّ الهودلي أعدّ لهم برنامجاً تعليمياً لتقديم حصص في اللغة العربية والرياضيات والدين ليستعيدوا الروح التعليمية، وبرنامجاً آخر للأنشطة الرياضية، ليختلف وضعهم من النواحي السلوكية والنفسية، ويعيشوا حالة استقرار حرموا منها طويلاً.

استهداف
عادت الأزمة في مع انتفاضة الأقصى مرة أخرى في عام 2000، كما يروي الأسير المحرر لؤي المنسي لـ"العربي الجديد"، الذي أصبح أحد ممثلي الأطفال في عام 2010، فقبيل الانتفاضة كان قد أفرج عن معظم الأطفال.

وبعد عام 2000، افتتح الاحتلال قسماً للأطفال في سجن "ريمونيم" لمن هم دون سن 16 عاماً، ومن دون ممثلين أيضاً كما يؤكد المنسي. أما من هم بين السادسة عشرة والثامنة عشرة، فكانوا في غرف البالغين في سجن عوفر، قبل أن ينقل الاحتلال الأطفال إلى أقسام خاصة في سجني عوفر ومجدو ولتعود المطالبات مرة أخرى للحركة الأسيرة بوجود ممثلين بالغين معهم، حتى تحقق ذلك.

نظام خاص للاهتمام بالأطفال
عاش قسم الأسرى الأطفال في سجن عوفر نظاماً خاصاً، وأصبح المشرفون عليه من الكبار قرابة خمسة يتم اختيارهم بدقة وعناية، ممن لديهم القدرة وممن يتميزون بأخلاق عالية، واحد من هؤلاء الأسير المحرر عبد الفتاح دولة الذي كان مشرفاً على القسم بين عامي 2014 و2016.

يشير دولة في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى المهمة الأولى له مع أي أسير طفل وهي استقباله فور وصوله. "كنا نعرف المراحل التي مر بها الأسير من تحقيق وأكثر من محطة تخويف، يصلنا الطفل بحالة صدمة، فيحتاج إلى طريقة مختلفة لاستقباله، نطمئنه ونزوده بالملابس ومواد التنظيف ثم نبدأ بمرحلة أخرى وهي التعليم، حيث يتم وضعه في إحدى المجموعات التعليمية العشر في القسم حسب مستواه التعليمي".

ويؤكد دولة صعوبة مهمته وزملائه. أحياناً، يجب أن يكون خبيراً نفسياً، فقد يصادف طفلاً يعاني من تبول لا إرادي، أو طفل يخاف ليلاً وينادي بأنه يريد أمه، وكل ذلك عليه التعامل معه، وأحياناً من وراء أسلاك وجدران. في الليل يبيت المشرفون في غرفة خاصة لا مع الأطفال.

تمكين الأطفال
"لا يخرج أسير طفل من القسم وهو أمّي"، هذا ما يفخر به دولة، على الرغم من أن كثيراً من الأطفال يرفضون التعليم، علماً أنه إجباري، في ظل إهمال إدارة سجون الاحتلال للتعليم، وتطبيق القانون الذي يلزمها بذلك بالحد الأدنى بتوفير معلمين إثنين فقط، أي تطبيق شكلي للقانون.



والتثقيف الوطني من مهمات ممثل الأطفال التي لها الأولوية. ويقول دولة: "ندخل الثقافة الوطنية للأطفال، وثقافة الوحدة الوطنية، كنت أقول لهم نحن نحب ما هي توجهاتكم السياسية وأحزابكم كلها، لكن بغض النظر عن ذلك تذكروا أن تنظيمكم الأول هو فلسطين".

معركة الاحتلال
يتخوّف الأسير المحرّر عبد الفتاح دولة، على غرار آخرين، كما غيره ممن عاشوا لحظات حلوة ومرة مع الأطفال في مهماتهم، من إجراءات الاحتلال الأخيرة ونقل جزء منهم إلى قسم بلا ممثلين. ويقول دولة: "في عام 2015، نقل الاحتلال جزءاً من الأطفال من سجن عوفر إلى سجن آخر وكانت تصلنا التقارير عن صعوبة أوضاعهم، من الظروف المعيشية الصعبة وتراجع في جودة الطعام، فضلاً عن مشاكل لا تتوقف في القسم تؤدي إلى اقتحامات دائمة لإدارة السجون".




وبرأي دولة، فإن الأخطر ما تم من محاولات استخبارات الاحتلال فرض أحد الأطفال كممثل عنهم، ما يعني زيادة المشاكل في ما بينهم، في وقت يحذر دولة من التواصل المباشر بين الأطفال وإدارة سجون الاحتلال، والاستفراد بالأطفال من قبل ضباط استخبارات الاحتلال. أما وليد الهودلي، أول ممثل للأسرى الأطفال، فيرى أن نقل الأطفال بلا ممثلين عنهم هو عودة إلى المربع الأول، أي وجود مجموعة من الأطفال من دون من يرعاهم، كما الاستفراد بهم. وتلعب معهم استخبارات الاحتلال لعبتها المفضلة بالتفريق بينهم، ما يؤدي إلى آثار خطيرة داخلياً ونفسياً وما سيعنيه من خروج الطفل محبطاً من السجن من دون ثقافة وتعليم.