عقاب جماعي في مليلة

عقاب جماعي في مليلة

14 فبراير 2020
في العراء (فاضل سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

ما يحدث للمهاجرين التونسيين السريين في مليلة هو بمثابة عقاب جماعي، إذ لا يسمح لهم بالمغادرة، رغم قلة الغذاء والبرد والتعنيف

سبعة أشهر.. هي الفترة التي قضاها مهاجرون سرّيون تونسيون في مخيمات مصنوعة من البلاستيك في جزيرة مليلة (شمال غرب المغرب) الخاضعة لحكم إسبانيا، متحملين البرد ونقص الغذاء. وعلى الرغم من احتجاجاتهم ومطالبتهم بإطلاق سراحهم، إلّا أنّ عملية احتجازهم مستمرة، لتتفاقم معاناتهم والإهانات التي دفعت البعض إلى الفرار من جحيم المخيّم، كما يصفونه. لكنّ مصيرهم يبقى مجهولاً، كما أن حياتهم مهدّدة.

وتمكنت "العربي الجديد" من الحصول على بعض شهادات هؤلاء المهاجرين ممن تحدّثوا عن معاناتهم وصعوبة الوضع، وأملهم في أن تمكنهم السلطات الإسبانية من العبور كغيرهم من المهاجرين. ويؤكّد المهاجر السري سمير الجماعي (25 عاماً) أنّه وصل إلى مليلة منذ شهر أغسطس/آب، بعدما كان قد انتقل إلى المغرب. يتابع: "الوضع صعب؛ إذ أن المخيّم يتسع لـ 600 مهاجر، بينما يضم حالياً 2000 مهاجر من مختلف الجنسيات الأفريقية والمغاربية، ومن بينهم 650 تونسيا".

وأوضح أنه توجد 3 مخيمات حديثة وُضع في كل منها 300 مهاجر، إلى جانب المخيم الرئيسي الذي يضم وحده 1000 مهاجر تقريباً". ويشير الجماعي إلى أنّ أهله يرسلون إليه بعض المال ليتمكن من تدبّر نفقاته، لكنهم لم يعد في استطاعتهم إرسال المزيد من المال. وقد سئموا من البقاء في المخيم، ويناشدون السلطات الإسبانية تمكينهم من العبور.

ويقول وليد (31 عاماً) إنّه ميكانيكي، وقد وصل إلى هذا المكان بتاريخ 21 سبتمبر/أيلول، بعدما اختار الهجرة عن طريق البر تجنباً لمخاطر البحر. لكن منذ وصوله، تتفاقم معاناته يوماً بعد يوم، مبيناً أن الوضع في المخيم سيئ للغاية والظروف صعبة. وعلى الرغم من أنّه كان يتم الإبقاء على المهاجرين لفترة قصيرة لا تتعدى الشهرين أو الأسبوع أحياناً، قبل أن يسمح لهم بالعبور أو اللجوء أو رفض طلبات اللجوء، حصلت تغييرات في المعاملة فجأة، وأصبح يتم الاحتفاظ بالتونسيين من دون سواهم في المخيمات، ما زاد أعدادهم.



ويقول: "مضت فترة طويلة على عدم تمكّن التونسيين من العبور، إضافة إلى التضييق عليهم، وفرزهم على أساس الانتماء"، مشيراً إلى أنّ "الوضع لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه، فإما أن يتم قبول مطالبهم باللجوء أو تمكينهم من العبور، إذ أنهم لن يبقون في إسبانيا وسيعبرون إلى أوروبا"، لافتاً إلى أنهم "يرفضون العودة إلى تونس بعد كل ما عانوه، إضافة إلى ما تكبدوه من نفقات مالية تصل إلى نحو ‍‌‍‌‍‌12 ألف دينار تونسي، أي نحو 4 آلاف دولار". يتابع: "بعض التونسيين لا يملكون الطعام ولا المال. ومن يحتج تتم معاقبته ويرسل إلى خارج المخيم لشهر أو أسبوعين. وبما أننا في جزيرة، فلا مفر من العودة إلى المخيم. غالبية هؤلاء المطرودين يضطرون إلى النوم في العراء، فلا مال ولا طعام، ولا يمكنهم الحصول على أية مساعدة".

وقفة احتجاجية لعائلات مهاجرين تونسيين تحتجزهم إسبانيا (العربي الجديد) 

ويلفت الخمسيني سمير عليّات إلى أنّه لم يصادف ظروفاً مشابهة كالمعاناة في هذا المخيم، بسبب سوء المعاملة والظروف غير الإنسانية، على الرغم من أنه قضى 16 عاماً في الغربة، وعاش في إيطاليا وفرنسا وتزوج وأنجب فتاة هناك، قبل أن يعود إلى تونس بسبب خلافات مع زوجته الفرنسية. يلفت إلى أن "ظروف غالبية مراكز الإيواء أفضل بكثير".

ويخبر عليّات أنه قرّر مؤخراً الفرار من المخيم، لكنه ما زال في جزيرة مليلة، ويعيش برفقة عدد من التونسيين في بيت قصديري يعد بالنسبة إليهم أفضل حالاً. ويؤكّد أنّه لم يعد قادراً على تحمّل الوضع. أربعة من أصدقائه باتوا يعانون من اضطرابات نفسية، نظراً لهول الأوضاع وكثرة المشاكل في المخيّم. ويشعر وآخرون أنهم يعاقبون جماعياً ولا يعرفون السبب الحقيقي لعدم السماح لهم بالعبور، مؤكداً أنّه هاجر من أجل رؤية ابنته بعدما توفيت زوجته، وقد ظلّ محروماً منها لسنوات عدة. وعلى الرغم من المحاولات للحصول على تأشيرة، إلّا أنّ طلبه كان يرفض دوماً، لكنه لم يتخيل أن يظل عالقاً في المخيم ويبقى عرضة للأمراض وسوء المعاملة.

يضيف أنّ "الوضع الصحّي للعديد من التونسيين صعب، بل تحصل أمور تبدو غريبة وممنهجة، كتحريض بعض المنحرفين على سرقتهم وتعنيفهم"، مبيّناً أنّ كثيرين عنّفوا بمجرد مغادرتهم المخيم وسلبت أموالهم وهواتفهم. وغالباً لا يتم إنصافهم أو حتى سماع شكواهم. بالتالي الوضع ينبئ بانفجار حقيقي.



من جهته، يقول المسؤول الإعلامي في المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، إنّ "هؤلاء المهاجرين السريين وصلوا إلى الحدود الإسبانية في إطار موجة الهجرة السرية إلى إسبانيا، والتي انتشرت خلال عامي 2018 و2019. ووصل نحو 1236 تونسيا إلى إسبانيا". ويؤكد أنّ التونسيين في مليلة يعانون بسبب حجزهم في مخيمات بلاستيكية.

ساعات طويلة من الانتظار (فتحي بلعيد/ فرانس برس) 


ويبيّن بن عمر أنّ الخطورة تكمن في غموض وضع هؤلاء المهاجرين، في ظل صمت السلطات الإسبانية التي تعاملهم وكأنهم رهائن، في محاولة للضغط على السلطات التونسية من أجل التوقيع على اتفاقية للهجرة، تقضي بترحيل الواصلين إلى ترابها. وأعرب المنتدى في بيان عن قلقه العميق من تواصل عملية احتجاز المئات من المهاجرين التونسيين في منطقة مليلة في ظروف إنسانية مهينة للكرامة، حيث يتكدس المهاجرون في خيم بلاستيكية، ووسط غياب الخدمات الأساسية التي تحفظ كرامة الذات البشرية، مؤكداً أن السلطات الإسبانية تمعن في الضغط نفسياً ومعنوياً على التونسيين، وكأن الأمر عقاباً جماعياً.

ويبيّن المنتدى أن التونسيين لا يمثلون إلا 3.8 في المائة من مجموع الواصلين بطريقة غير نظامية إلى إسبانيا عام 2019، مشدداً على إمعان السلطات الإسبانية في الاستهتار بالمواثيق الدولية التي تضمن حرية التنقل وحقوق المهاجرين. كما يتم استعمالهم اليوم كورقة ضغط ومساومة على الحكومة التونسية، لفرض اتفاقية هجرة تنتهك حقوق المهاجرين وتكون غطاء للترحيل القسري، وهو ما يرفضه المنتدى.

المساهمون