الاضطرابات النفسية في تونس إلى ارتفاع

الاضطرابات النفسية في تونس إلى ارتفاع

30 يناير 2020
البطالة تزيد من الضغوط النفسية (ياسين غيدي/ الأناضول)
+ الخط -
تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في تونس، وزيادة الضغوط المعيشية بشكل عام، من العوامل التي ساهمت في زيادة إقبال المواطنين على العلاج النفسي في المستشفيات الحكوميّة التي باتت تواجه صعوبات في الاستجابة لعدد المرضى الكبير وإيوائهم.

تكشف اللجنة الطبيّة في مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعقلية (أكبر مستشفى متخصص في الأمراض النفسية في تونس)، عن تزايد أعداد المرضى الذين يلجؤون إليها طلباً للعلاج في ظل الضغوط النفسية أو للتخلص من الإدمان على المخدّرات. وتشير إلى أن عدد المرضى في مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية، وأولئك الذين توجهوا إلى العيادات الخارجية خلال عام 2019، ارتفع بنسبة 15 في المائة بالمقارنة بعام 2018.

يقول رئيس اللجنة الطبية في مستشفى الأمراض النفسية والعقلية فتحي ناصف إن هناك زيادة غير مسبوقة في طلب العلاج النفسي في العيادات الخارجية للمستشفى، فضلاً عن زيادة في طلبات الإيواء والإقامة من المرضى القادمين من مختلف محافظات البلاد. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه لم يسبق أن واجه المستشفى طلباً على العلاج على غرار العام الماضي، مشيراً إلى أن غياب أقسام طبية متخصصة في علاج الاضطرابات النفسية والعقلية في المحافظات الداخلية يتسبّب في ضغط كبير على المستشفى الوحيد المتخصص في البلاد. ويعزو الأسباب إلى الضغوط والإحباط الذي يسيطر على المناخ العام في البلاد، ما قد يؤدي في وقت لاحق إلى اضطرابات نفسية قد تُصبح أكثر تعقيداً في حال التأخر في العلاج.



ويوضح أنه لم يعد في مقدور التونسيين طلب العلاج في المستشفيات الخاصة، ما يؤدي إلى زيادة الضغوط على الأقسام المتخصصة في المستشفيات الحكومية. ويتوقّع زيادة لجوء المواطنين إلى العلاج النفسي في ظل استمرار المشاكل التي أثّرت بشكل كبير على صحتهم النفسية والعقلية، لا سيما الضغوط المادية.

ويشكو ناصف تأثير زيادة عدد المرضى على نوعية العلاج، مؤكداً أن قدرة الاستيعاب في المستشفى لا تتجاوز 500 سرير، في حين استقبل المستشفى نحو 9000 مريض العام الماضي في مقابل 5000 مريض عام 2018.

كذلك، يربط ناصف بين زيادة عدد المرضى في المستشفى وزيادة عدد المدمنين على المخدرات خلال السنوات الأخيرة، وعدم لجوء هؤلاء إلى متخصصين بسبب ضعف إمكانياتهم المادية من جهة، وغياب الأقسام المتخصصة في العلاج النفسي في جهاتهم من جهة أخرى.
وتؤثر الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية بشكل واضح على صحة التونسيين النفسية، ويتجاوز عدد المصابين بالاكتئاب ما يزيد عن 8 في المائة من إجمالي عدد التونسيين، بحسب بيانات رسمية لمنظمة الصحة العالمية عام 2017. وتشكّل الأمراض النفسية 98 في المائة من أسباب الإجازات الطويلة في القطاع الحكومي. وفي عام 2015، تسبّبت الأمراض النفسية في ضياع 172 ألف يوم عمل كمعدل سنوي أي ما يعادل 4.6 ملايين دينار (نحو مليون و628 ألف دولار أميركي) من الخسائر سنوياً.

كذلك، تزيد الاضطرابات النفسية الناتجة من تعاطي المواد المخدرة من انتشار الجريمة والعنف في الأوساط العامة وداخل الأسر تصل إلى حدّ القتل في بعض الأحيان، ما يستدعي نقل المريض إلى المستشفى (أقسام الأمراض النفسية أو المستشفيات المتخصصة) بموجب قرار قضائي.

من جهتها، تقول عضو منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية نجلاء عرفة لـ "العربي الجديد"، إن الاضطرابات النفسية الناتجة من تناول المخدرات تزيد نسبة العنف والجريمة. وتؤكد أن صعوبة العلاج من الإدمان زادت من أحوال هؤلاء المرضى سوءاً. وترى أن أمراً كهذا يهدد المجتمع.


وتعدّ الأقسام الطبية المتخصصة في الاضطرابات النفسية وعلاج الإدمان في القطاع الحكومي قليلة، كما أن كلفة العلاج في القطاع الخاص مرتفعة. وتواجه عائلات الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية صعوبة كبيرة لتأمين العلاج لهم، نتيجة ارتفاع كلفة الأدوية وطول مدة العلاج، فضلاً عن نقص المؤسسات الصحية في محافظات البلاد، ما يتطلب تنقلاً مستمراً بين ولايات الداخل والعاصمة، حيث مقرّ مستشفى الرازي المتخصّص.

يُشار إلى أن التونسيين من الشعوب الأقل سعادة في العالم، بحسب مؤشّر السعادة الصادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إذ حلّت في المرتبة 102 عالمياً (عام 2017)، في حين صنفت الجزائر في المرتبة 53 والمغرب في المرتبة 84.

المساهمون