25 يناير... الحياة الكريمة ما زالت مجرد حلم بمصر

ذكرى 25 يناير... الحياة الكريمة ما زالت مجرد حلم في مصر

25 يناير 2020
يؤكد كثيرون أنّ نظام السيسي أسوأ من مبارك(فرانس برس)
+ الخط -
"عيش... حرية... عدالة اجتماعية" تلك كانت ثلاثية الثورة المقدسة لدى المصريين، عام 2011، حين انطلقت الحناجر في الميادين تطالب بالخبز، والحق في العدالة والمساواة، وفي حياة كريمة تليق بهم خالية من القيود، فهل تبدلت مطالبهم اليوم؟

توحدت طبقات، وشرائح، وأطياف المواطنين المصريين، حول طلب الحياة الكريمة، قبل أيّ شعار سياسي، يمكن أن يختلفوا حوله. وبعد تسع سنوات على ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ما زالت الثلاثية الأشهر في حياة المصريين، كما هي، موضع إجماعهم، ومحل التقائهم، بعيداً عن خلافات السياسة، والأيديولوجيات المتباينة، فماذا يقول المصريون، اليوم عن ثورتهم، التي وقعت ذات شتاء، امتلأ بكلّ دفء المشاعر؟

يحكي محمد، وهو حارس عقار، في أحد مباني الشوارع الخلفية القريبة من ميدان التحرير، عن يوم 25 يناير، وهو يقسم بالله، أنّه فرك عينيه كثيراً، ولم يصدق أنّ ما يراه في ميدان التحرير، ليس حلماً. وفقط حين رأى ابنه ذا العشرين عاماً، يهرول إليه، باحثاً عن البصل، والخلّ، وهو يخبره أنّهما لعلاج حالات الاختناق، التي حدثت بسبب الغاز المسيل للدموع، الذي أطلقته قوات الشرطة، على المتظاهرين، صدّق ذلك. يتذكر محمد، أنّه كان حريصاً على إخفاء "محمد بيه" ضابط الشرطة الذي يسكن في المبنى نفسه، لأنّ عدداً من المتظاهرين، كانوا يطاردونه، وهو يجري أمامهم، خائفاً، ومذعوراً: "شعرت أنّه ابني والله، بالرغم من كلّ معاملته السيئة لي، وقلت له: هؤلاء لا يركضون وراءك كي يؤذوك، بل لمنعك من أذيتهم". يضيف: "كان حلمنا أن نعيش كلنا، فقراء وأغنياء، كلّ منا يتمتع بما قسمه ربّنا له، لكن من دون إهانة أو افتراء من الأغنياء على الغلابة الذين مثلنا. لكن، سنترك هذا الحلم لأولادنا كي يحققوه".




سعدية، ربة منزل، تتشح بالسواد، ولا تتحدث إلاّ بكلمات قليلة، مسبوقة بدموع: "ابني كان في عزّ شبابه، نزل مع من نزلوا إلى ميدان التحرير، وكان قد تخرج للتوّ من الجامعة يوم وقعت الثورة، وكان فرحاً جداً عندما عثر على عمل عام 2012، قفال لي: يا أمي، لديّ الآن أمّ ثانية وهي مصر بلدنا. لكن، لم تتسنَّ له فرصة الفرح تلك، ففي بداية 2014، طردوه من العمل، ولم يجد فرصة أخرى، أو يتمكن من السفر، فلازم المنزل حتى قرر إنهاء حياته، فرمى بنفسه أمام المترو قبل عام".

يقول المصريون، إنّ النظام الحالي أسوأ من نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، في زيادة الظلم وانتشار الفساد في البلاد، واستمرار أزمة البطالة المنتشرة بين الشباب، التي أودت بحياة عشرات منهم عبر الانتحار الذي لم تشهده البلاد من قبل، فضلاً عن ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على إعادة الأمن والأمان إلى الشوارع في ظلّ انتشار الجريمة والإرهاب.

التقت "العربي الجديد" عدداً آخر من المصريين ليتحدثوا عن ذكرياتهم حول ذلك اليوم. يؤكد محمود عطية، أنّ 25 يناير/ كانون الثاني عام 2011 وما تلاه من أحداث، كان حلماً بعيد المنال، عبّر بقوة عن إرادة الشعب المصري وتوقه للحرية، فكان هناك تواصل ورحمة بين جموع الشعب المصري في ميدان التحرير. يشير إلى أنّه شارك في تلك الأيام بتقديم المساعدات من أكل وشرب وملبس وأغطية للثوار، موضحاً أنّه لم تمنعه الحواجز الحديدية التي أغلقت شوارع وسط القاهرة لمنع المتظاهرين من التجمع، فقد خرج من أجل عيشة أفضل له ولأسرته، لكن لم يتحقق أي تحسن في الأوضاع المعيشية والاقتصادية، فيما تزداد تلك الأوضاع سوءاً.

ويقول المحامي سيد عبد القادر، بدوره، إنّ ثورة 25 يناير هي من أعظم الثورات التي شارك فيها ملايين من المصريين، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية التي كانت غائبة في ذلك الوقت، لكنّ الحكومات المتعاقبة بعد الثورة أهملت حق المواطن، بل زادت الأعباء والضغوط عليه، خصوصاً منذ عام 2016 بعد تعويم الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، فتضاءلت قيمة مداخيل الأفراد. يشير إلى أنّ الشعب المصري ثار بسبب ظلم الشرطة للمواطنين، مؤكداً أنّ سيناريو 25 يناير من الممكن أن يقع مرة أخرى، خصوصاً مع استمرار ممارسات الشرطة القمعية وحملة الاعتقالات ضدّ المواطنين، بصفة تكاد تكون يومية.

انتهاكات حقوق الإنسان مستمرة في مصر (Getty)












اندلعت الشرارة الأولى لثورة يناير، يوم الثلاثاء 25 يناير 2011، في عيد الشرطة المصري رفضاً لممارسات العنف والتعذيب على يد قوات الأمن المصرية، وامتدت الشرارة ليوم الجمعة 28 يناير، في ما عرف حينها بـ"جمعة الغضب" إذ كانت المواجهات عنيفة، وسقط عدد كبير من القتلى والمصابين، وأعلن الثوار الاعتصام بالميدان، وتحول الهتاف من "الداخلية بلطجية" إلى "الشعب يريد إسقاط النظام".

من جانبه، يرى "هـ. أ." وهو صحافي، أنّ الحريات غائبة، بالرغم من أهميتها في ظلّ نظام الحكم الحالي، فلا توجد معارضة سواء داخل البرلمان أو في المؤسسات الصحافية والإعلامية، معتبراً أنّ 25 يناير 2011 أحدث حالة من التغيير لدى الشباب، وأنّ هناك رغبة حقيقية في العودة إلى مثل تلك الثورة مرة أخرى، حتى لو طال انتظارها، بسبب حالة الفساد والظلم المستشري في البلاد، والتي لم تقع من قبل.

أما محمد عبد الرحمن، وهو عضو في حزب سياسي مصري، فيلفت إلى أنّه كان له شرف المشاركة في ثورة 25 يناير، بتقديم الدعم للثوار، مؤكداً أنّه حتى الإطاحة بنظام مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011 كان هناك وعي شعبي كبير، إذ كانت هناك لجان شعبية تحمي الشوارع والبلاد والمنشآت ولم تحدث جرائم إلا من أعداء الثورة. يوضح عبد الرحمن أنّ ميدان التحرير، في وسط القاهرة، شهد مع غيره على أحداث الثورة، إذ كانت هناك هتافات وتصدٍ لقنابل الغاز المسيلة للدموع، وانتشرت النكتة بين جموع الشعب لتخفيف الضغط عنهم. يعلق: "كنت أتمنى حالة من الاستقرار في البلاد، وعدم الوصول إلى غلاء الأسعار كما هو موجود حالياً، فضلاً عن تحديد فترة الرئاسة بفترتين كحدّ أقصى كما حددها الدستور، وليست العودة إلى الوراء بوجود رئيس مدى الحياة، وهو المخطط له حالياً، كما أنّ معدل الفساد بالدولة مرتفع، على الرغم من أنّ الثورة هي ضدّ الظلم والرشوة والفساد".




من جهته، يقول محمد طنطاوي، وهو مقاول في مجال العقارات، إنّ حال البلاد خلال الذكرى التاسعة للثورة، لا تسرّ أحداً، ومثال على ذلك حال العقارات التي ارتفعت أسعارها بسبب ارتفاع أسعار مستلزمات البناء. يؤكد أنّه بعد مرور تسع سنوات ليست في البلاد حرية أو عدالة اجتماعية، وليس فيها غير الفوضى والخراب، متهماً الشرطة بأنّها وراء إحداث القلاقل في البلاد، ووراء انتشار الإرهاب في المحافظات. يحذر من ثورة خطيرة ستدفع بالنظام الحالي إلى السجون، خصوصاً أنّ مصر انتهى دورها عربياً وأفريقياً وعالمياً، وأزمة سد النهضة أكبر علامة على فشل النظام المصري الحالي.