بومة

بومة

03 يناير 2020
الانتفاضة ميزت احتفالات اللبنانيين برأس السنة (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
سأتعامل معه في كل مرة على أنّه عيد. لم أفهم يوماً سبب ربط ليلة الانتقال من عام/رقم إلى آخر، أو ما يمكن تسميته بعدّاد الكوكب، في العيد. ولن أُعيد ما يردّده "البوم" (جمع بومة) من الناس أمثالي (كما قد يطلق عليّ البعض)، بأننا نخسر عاماً من أعمارنا. وهذا حاصل بكل الأحوال. لكنّه يوم فصلٍ بين زمنين: زمنٌ مضى بخيره وشرّه، وآخر جديد نعلّق عليه آمالاً جديدة، وكأننا نملك أو نسيطر على الوقت للمرة الأولى. وطالما أننا في الجزء الأوّل من السنة، ولم نبلغ منتصفها بعد، طالما أننا نشعر بالأمان، وأننا نملك الوقت لتحقيق الكثير.

لاحقاً، يأتي عامل الوقت، ليسحب كلّ شيء من تحت أقدامنا. لحظة. لا داعي لهذا التشاؤم والتهويل. ثمّ أدّعي أنني واقعية، لكنّ قسماً كبيراً من الناس سيكون لهم موقف مختلف وأكثر إيجابية، وإن سارت حياتهم بشكل نكدي. على أيّة حال، ما سبق مجرّد تهكّم.

ليلة الانتقال أو الولادة الجديدة، وبعدما أخفينا وجوه العام القديم بأقنعة ملوّنة كان لا بدّ منها لاستقبال العام الجديد، سنستفيق على بلدٍ مُنهار فوق رؤوس ناسِه. ما زال أمامنا بعض الوقت، مجرّد أيام، لننسى أنّ واقعنا مُخيف، وقد اعتدنا على اعتبار هذه الفترة الأجمل، لأنها تسمح لنا بتجربة النسيان، وتجربة مزاج مختلف، ولو لفترة بسيطة.

وإن حاول الناس الاحتيال على الواقع الاقتصادي، وعدم قدرتهم على سحب رواتبهم من المصارف، إلّا أنّه ثمّة قلق يسير جنباً إلى جنب مع الألعاب والهدايا والأقنعة والتبرج وما إلى ذلك. الجراد نفسه الذي أكل الأخضر واليابس في لبنان خلال الحرب العالمية الأولى، يعود متنكراً، وقد ترك لنا بعض اليباس الذي سينفد في النهاية.

ربّما للمرة الأولى، قد تتّجه أمنيات اللبنانيين في العام الجديد نحو العام لا الخاص. سيتمنّون لو يستطيعون جميعاً سحب رواتبهم، ثم أموالهم، دفعة واحدة، وربّما التأمّل... سألتُ أحد الأشخاص الذين يمارسون رياضة التأمّل واليوغا عمّا قد يضايقه أو يزعجه، فأخبرني بأنّ ما يُضايقه اليوم تحديداً بأنه ما من شيء بات يُضايقه!




سأتخيلنا جميعاً في مشهد تأمّل. لا شيء يُنغص علينا، حتى الفقر. وسنبادل ابتسامة موظفي المصارف بابتسامة. وكأننا لن نخلع الأقنعة.

ما يُرتكب بحق اللبنانيين جريمة... جميع الأسماء لن تجرف طبقات كثيفة من الوحول غرقنا بها. كل النكات على فيسبوك وتويتر لن تغيّر شيئاً. لطالما كانت الأرض هي الحكم وقد مزّقت على الأغلب. نُحاول نسيانها اليوم لكننا سنعود لنعي أننا نُحرم من لقمة العيش. أخشى أن أستعير قناع البومة مجدداً.

المساهمون