محمد وعبد الرحمن والداهما أسيران فلسطينيان

محمد وعبد الرحمن والداهما أسيران فلسطينيان

19 يناير 2020
الطفلان والوالد في صور حصلت عليها "العربي الجديد"
+ الخط -
كانت لحظات صادمة للطفلين الفلسطينيين محمد (5 أعوام)، وعبد الرحمن (3 أعوام)، ابني الأسيرين قاسم عصافرة وإيناس عصافرة، من بلدة بيت كاحل، شمالي غرب الخليل، جنوبي الضفة الغربية في فلسطين المحتلة، خلال زيارتهما الأولى لأمهما الأسيرة في سجون الاحتلال، في أوائل شهر سبتمبر/ أيلول 2019.

يروي خالهما نصر عصافرة، لـ"العربي الجديد"، ما جرى خلال مرافقته لهما في تلك الزيارة: "فرح الطفلان بأنّهما سيلتقيان أمهما، لكنّ الصغير عبد الرحمن عندما احتضن والدته بدأ بالبكاء، ورفض البقاء داخل القضبان معها، وطلب الخروج، فقامت إيناس بتهدئته، أما محمد فبدت عليه علامات الصدمة، فلم يستوعب أنّ أمه في السجن. بعد دقائق عدنا إلى خلف الزجاج العازل، وأكملنا حديثنا مع إيناس عن طريق الهاتف". يشير نصر إلى أنّ الطفلين تمكنا من زيارة والديهما عدة مرات بشكل منفصل.

تُحضّر الأم إيناس بعض المُسليات التي تشتريها من مقصف السجن لطفليها عند زيارتهما لها، فيفرح محمد وعبد الرحمن غير مُدركين بشاعة السجن، مرددين عبارة: "أمي اشترت لي حاجات من السجن"، بحسب نصر.

قبل عيد الأضحى الماضي بيوم، بينما كان الطفلان ينتظران ملابس العيد وبهجته، خطف الاحتلال الإسرائيلي والديهما قاسم عصافرة (30 عاماً)، ووالدتهما إيناس عصافرة (26 عاماً)، متهماً الأب قاسم وابن عمه نصير، بتنفيذ عملية قتل جندي قرب مستوطنة غوش عتصيون، بين محافظتي الخليل وبيت لحم، في أوائل أغسطس/ آب الماضي، ومتهماً الأم إيناس وأخ زوجها أحمد ويوسف العطاونة بالعلم بالعملية قبل تنفيذها.



لم تتمالك جدة الطفلين لأبيهما، فضية عصافرة، نفسها فتحشرج صوتها وبكت عندما روت لـ"العربي الجديد"، علم الطفلين بقصة اعتقال والديهما، إذ تقول: "في البداية، ظلّ محمد وعبد الرحمن يُرددان أنّ أمهما وأباهما ما زالا في السوق يتبضعان لهما للعيد، فقد أبقت إيناس وزوجها قاسم الطفلين عند عائلة إيناس، وقصدا مدينة الخليل للتبضع للعيد، وقد نام الطفلان ليلتهما لدى عائلة الأم، ولم يتمكنا من وداع أيّ منهما، لكنّهما عرفا بقصة الاعتقال أثناء لعبهما مع أطفال العائلة، فأثناء المشاجرات يمنع البعض الأطفال من ضرب محمد وعبد الرحمن قائلين: ما تضربوهم أمهم وأبوهم في السجن. وبهذا عرفا تدريجياً بالأمر".

تعتني الجدة فضية بالطفلين منذ اعتقال والديهما، فقد أصبحت أُماً وجدة، حتى أنّها تصطحبهما معها في أي خروج من المنزل، إذ تخشى عليهما من أيّ شيء، وتحاول إحاطتهما بالأمان وتعويضهما عن حنو الوالدين، فتوقظهما باكراً، وتعدّ طعام الفطور للطفلين، وتجهز محمد للذهاب إلى الروضة، قبل أن تأتي الحافلة لأخذه. وقد واجهت الجدة في بداية اعتقال ابنها قاسم وزوجته إيناس مشكلة تقبل عبد الرحمن لأحدٍ غير أمه، فقد رفض أن يحتضنه أحد، أو تقترب جدته منه، لكن بمرور الأشهر تقبّلها عبد الرحمن وصار راغباً بالنوم بالقرب منها.

تعود الأم - الجدة للبكاء وهي تقول: "ماذا بوسعي أن أقول؟ أنا حزينة جداً على الطفلين، فهما وحيدان من دون أم وأب، ومهما فعلنا من أجل الاعتناء بهما، فذلك لا يعوض الوالدين. أتمنى على الأقل أن يفرج عن أحد الوالدين من أجل عبد الرحمن ومحمد. انا حزينة أيضاً لغياب عمهما أحمد أيضاً، فقد كان أبنائي قاسم وزوجته وأحمد من حولي دائماً، وفجأة لم يعودوا بالقرب مني". تتماسك الجدة وتقول: "الحمد لله في كلّ الأحوال".



يمضي الطفلان محمد وعبد الرحمن الأسبوع مقسّماً بين بيت الجدّين لجهة الأب، وبين الجدّين لجهة الأم. وتتبادل العائلتان الزيارات، وتتقاسمان مسؤولية الاعتناء بالطفلين حتى الإفراج عن والديهما، إذ يوضح خالهما نصر، قائلاً: "عندما يأتي محمد وعبد الرحمن إلينا، أخرج معهما في نزهة، ونحاول - نحن العائلة - عدم إبقائهما في المنزل. كما يقضيان وقتاً جيداً في اللعب مع بقية الأطفال، ويتسابق الجميع للاعتناء بهما".

حتى الآن، لم يُحكم على الوالدين قاسم وإيناس عصافرة، بالرغم من عقد المحكمة العديد من الجلسات، وقد تنقل قاسم في أكثر من سجن، ففي البداية جرى احتجازه في سجن عوفر، ثم عسقلان وأخيراً في الدامون، أما إيناس فيستمر اعتقالها في سجن الدامون، منذ القبض عليها حتى اليوم.