توقيف أستاذ متهم بتعنيف طفلة مغربية ومحاكمته الاثنين المقبل

توقيف أستاذ متهم بتعنيف طفلة مغربية ومحاكمته الاثنين المقبل

16 يناير 2020
يحاكم الأستاذ المتهم بتعنيف التلميذة الاثنين المقبل (Getty)
+ الخط -
تحوّلت قضية طفلة مغربية انتشرت صورتها، بداية الأسبوع الحالي، وقد اعتلت وجهها كدمات وآثار عنف وحشي سبّب انتفاخاً وزرقة داكنة حول عينيها، إلى لغز محيّر في منطقة تارودانت الجبلية الواقعة وسط البلاد، إذ عجزت كل الأطراف المعنية عن الجزم بمسؤولية الأستاذ الذي تشير إليه أصابع الطفلة المعنفة وأسرتها بالاتهام، قبل أن تتقرّر ملاحقته رسمياً ومحاسبته قضائياً.

وسادت حالة ترقب، الأوساط التعليمية ومعها الرأي العام المغربي، في انتظار نتيجة الفحوصات التي خضعت لها الطفلة (مريم. د) بأمر قضائي، يوم أمس الأربعاء، للتوصل إلى الفاعل الحقيقي، من خلال تحديد الملابسات التي أحاطت بتعنيف الطفلة، قبل أن تحسم النيابة العامة مصير أستاذها الموقوف، منذ الثلاثاء الماضي، من قبل الدرك الملكي بتعليمات من النيابة العامة، إذ صدر أمر ملاحقته قضائياً في حالة اعتقال.

وبعد عقد أول جلسة محاكمة بشكل فوري، عُرض أمامها الأستاذ، مساء أمس الأربعاء، قرّرت المحكمة تأجيل البت في الملف، إلى يوم الاثنين المقبل. وبناءً على قرار النيابة العامة، قرّرت المديرية الإقليمية للتربية الوطنية، اعتبار الأستاذ الموقوف في حالة توقيف عن العمل، وتعويضه بأستاذ آخر، في انتظار الحكم النهائي الذي ستصدره العدالة من أجل الحسم في مصيره المهني.


وفوجئ رواد الشبكات الاجتماعية، يوم الاثنين الماضي، بصورة تظهر وجه طفلة اسمها مريم ذات ثماني سنوات من العمر، وقد أحاطت بعينيها كدمات تشي بتعرّضها لضرب مبرّح، لتشير أصابع الاتهام فوراً إلى أستاذها الذي يدرّسها في الصف الثاني بمدرسة صغيرة (فرعية تابعة لمدرسة أكبر)، تتبع إدارياً لمجموعة مدارس "أورير" الواقعة بجماعة قروية تحمل اسم "بونرار"، في الريف المحيط بمدينة تارودانت التاريخية وسط جهة سوس.


وقع الصدمة الذي خلّفته الصورة المنشورة في أوساط الرأي العام والحقوقيين، دفع المديرية الإقليمية التابعة لوزارة التربية الوطنية، إلى إرسال فريق تفتيش طارئ، مكوّن من أربعة مسؤولين تربويين، بهدف مباشرة التحقيقات في الاتهامات الموجّهة إلى أحد الأساتذة. وأصدرت المديرية، مساء الثلاثاء، أي في اليوم التالي لنشر صورة الطفلة المعنّفة، بياناً قالت فيه إن إفادات كل من الأستاذ ومدير المدرسة، تنفي بشكل قاطع تعرّض التلميذة مريم لأي اعتداء من جانب أستاذها أو داخل الفصل، وهو ما أكده الأستاذ المتهم في تصريحات مصورة أدلى بها إلى منصات إلكترونية محلية، حيث طالب باستفسار التلاميذ والتأكد من كون الطفلة جاءت إلى الفصل الدراسي وتظهر عليها آثار عنف.


بناءً على هذا النفي الذي كاد يوجّه بوصلة الاتهامات نحو أم الطفلة، خاصة بعدما توجه الأستاذ بنفسه إلى مصالح الدرك الملكي التي تتولى الإشراف الأمني على المناطق الريفية في المغرب، بدل الشرطة، وقدّم شكوى قال إنه يطالب فيها بالقصاص من كل من اتهمه أو أساء إلى سمعته دون أدلة قاطعة، متهماً في المقابل أم الطفلة بتعنيفها، مدعياً أن الطفلة أخبرته بذلك حين سألها عن سبب الكدمات التي تظهر على وجهها.


إلا أن الدرك الملكي، تحت إشراف النيابة العامة التي قالت مصادر "العربي الجديد" إنها تولي اهتماماً خاصاً بالقضية؛ بسبب الأبعاد الإعلامية التي أخذها، قرّر التحفّظ على الأستاذ المتهم في إطار الحراسة النظيرة التي تسمح بتوقيف الأشخاص لمدة تصل إلى 48 ساعة، وهو الإجراء الذي يعني تطبيقه وجود شكوك قوية في احتمال تورّط الشخص المشتبه فيه، وذلك في انتظار استكمال التحقيقات.

وامتنعت الإدارة التربوية الإقليمية، حتى الآن، عن اتخاذ أي قرار عقابي ضد الأستاذ، في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات الجارية، وما ستقرره النيابة العامة، فيما تقول المعطيات الواردة من مصادر محلية، إنّ جل الشهادات التي استقاها عناصر الدرك الملكي من كل من الطفلة مريم وأسرتها وأربعة من زملائها، تشير إلى الأستاذ، باعتبار سوابق أخرى لتعنيف التلاميذ، فيما كان حظ مريم أنّ أحد النشطاء المحليين بادر إلى نشر صورتها من أجل إثارة الانتباه إلى ما يقع داخل المدرسة.

وتعود الاتهامات الموجهة إلى الأستاذ الذي يدرّس مادة الرياضيات، إلى استعماله الضرب المبرح ضد التلاميذ الذين لا ينجزون الواجبات المنزلية التي يطلبها منهم. وتقول مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن هناك على الأقل ثلاث حالات سُجِّلَت فيها شكاوى تلاميذ من عنف هذا الأستاذ، حيث يستعمل عصا بلاستيكية شديدة الصلابة في ضربهم. ورغم شكاوى سابقة لأسر التلاميذ، إلا أن إدارة المؤسسة كانت تعتبر الأمر مجرد صرامة من جانب الأستاذ "الحريص على ضمان تعلّم التلاميذ للدروس".

حالة مريم فجّرت ما ظلّ مسكوتاً عنه في هذه القرية النائية وسط المغرب، حيث أخذ أحد سكان المنطقة الطفلة مريم إلى المستشفى، جرى فحصها للتأكد من عدم تضرّر جهازها العصبي من الضربات القوية التي تلقاها رأسها، وإنجاز شهادة طبية تتضمن وصفاً كاملاً لحالتها، كما أجريت لها بعض العلاجات للتخفيف من آلامها، قبل أن تُنشَر صورتها وتتفاعل قضيتها.

دلالات