بانتظار شيء ما

بانتظار شيء ما

13 يناير 2020
المصارف سرقت الناس (حسين بيضون)
+ الخط -
البلد في تراجع مستمر. ليس في هذه الجملة أي اكتشاف جديد ولا محاولة لبث المزيد من الأسى والحزن بين الناس، فهو موجود وبات تراكمه يقتل أحياناً. لكنها محاولة متواضعة للقراءة في ظل يوميات لم نعد نستوعب فيها كمية الانهيارات المتتالية التي نتفاجأ بها كل يوم.

إذ كلما وصلنا إلى نقطة ظننا أنها حضيض حالنا اكتشفنا أن لهذا الحضيض نقاطاً أعمق وأبعد، وكأننا نقع ونقع من دون أن نصل إلى نهاية. كأنها حفرة مفتوحة، أمسكنا فيها أيدي بعضنا البعض ودُفعنا إليها سوياً. كمشهد هوليوودي في فيلم خيال علمي. نسقط ونسقط ونظل معلقين ولا نصل إلى أرض ثابتة نرتطم بها لنعرف أننا أدركنا القاع. معلقون وطائرون نحن في هذه الحفرة دون يقين أو نهاية.

يقولون في لبنان إن البلد معلقة بين حكومتين. واحدة مستقيلة، مهمتها تصريف الأعمال إلى حين، لا تصرّف منها شيئاً ورئيسها غائب طوال الوقت. وحكومة ثانية لا تعرف الولادة من دون أن نفهم المشاكل الكثيرة التي تمنعها عن ذلك. القابلة القانونية وعدتنا أن الولادة ستكون ميسرة، لكن هذا الأمر لم يحصل. إذاً ليس أمامنا سوى الانتظار.

في المصرف، تقف الناس أمام الصندوق في طوابير طويلة، بانتظار أن يصل دورها لتحصل على "القليل" من أموالها. طوابير تشبه طوابير انتظار ربطة الخبز أمام الأفران خلال الحرب. تترك الناس مشاغلها ووظائفها خلال النهار لتأتي إلى المصرف كي تسحب فتات رواتبها وفتات ما ادخرت في عمرها لأن المصارف لا تسمح لها بأكثر من ذلك. وبعضهم يضطر للحضور أكثر من مرة لأنه لم يتمكن من السحب في اليوم ذاته. وحجج المصارف لا تنتهي، فمرة نفاد المال، ومرة ثانية ضيق الوقت بسبب غياب الموظفين، ما يدفع الناس للمغادرة، ومرة ثالثة يتحججون بإشكاليات في الأوراق الشخصية. المصارف متخصصة في المواربة. لو كان الكذب شهادة لفازت المصارف بأرفعها. وأمام كل ذلك ليس أمام الناس سوى الانتظار.



في المنزل، ينقطع التيار الكهربائي. يعود لبعض الوقت ثم ما يلبث أن ينقطع. والأسباب كثيرة. بواخر لا تفرّغ النفط بحجة الطقس، وتضرّر خطوط التوزيع، وغير ذلك. ليس مهماً الطفلة التي تحضّر فرضها المدرسي لليوم التالي. ليس مهماً الأم التي تنقي حبات العدس، غداء اليوم التالي. ليس مهماً واجبات الموظف التي لم يتمكن من الانتهاء منها في نهاره وقرّر أن يحملها معه إلى المنزل. ليس مهماً أن يتمتع كبار السن بحقهم في الدفء بواسطة مدفأة كهربائية. كل هذا ليس مهماً ولن تفهمه الحكومة يوماً. ليس مهماً، وليس باليد حيلة، لذلك وجب على الناس الانتظار.

لكن وحدها الثورة قادرة على إخراجنا من الحفرة، ومن حالة الانتظار. وحدها الثورة لا تنتظر!

المساهمون