صحة

صحة

30 سبتمبر 2019
المتاجرة بالمرضى مستمرة (فيديريكو بارا/ فرانس برس)
+ الخط -
في لبنان يقال "صحة" لمن يغص بالماء أو الطعام. هو دعاء لا بدّ من توجيهه إلى الوضع الصحي السيئ على مستوى العالم ككلّ. فقبل أيام، دعت منظمة الصحة العالمية الحكومات إلى زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية الأولية والتصدي لنهج إفقار المرضى، ممن يضطرون للدفع من أموالهم الخاصة للأدوية والعلاج المكلف في الغالب. ومع إشارة المنظمة إلى أنّ نحو 7.5 تريليونات دولار أميركي تُنفق سنوياً على قطاع الصحة عالمياً، فإنّها تلفت إلى أنّ الخدمات الصحية الأساسية لا تغطي أكثر من نصف سكان العالم.

في الدعوة الأولى، ليست جميع الدول قادرة على زيادة إنفاقها، بل لعلّ دولاً كثيرة تنتظر المعونات الصحية، من دول أخرى ومن منظمات دولية وإنسانية، لا سيما منظمة الصحة العالمية، خصوصاً في ما يتعلق بالرعاية الصحية الأولية، وتشهد على ذلك حملات التطعيم الأساسية التي تنظم سنوياً فيها. وهو ما يؤكده أيضاً الرقم المذكور حول حرمان نصف سكان العالم من الخدمات الصحية، فإن كانت "حفنة فقط من الدول هي التي تحتاج إلى مساعدة دولية لرفع مستوى الرعاية الصحية الأولية لديها" كما يذكر خبراء المنظمة، فأين يعيش نصف سكان العالم المحرومين هؤلاء؟ كذلك، فإنّ دولاً أخرى يمكنها أن تتحمل زيادة الإنفاق، لكنّها واقعة في أزمة أخرى، إذ يأكلها الفساد الإداري، ولا يبلغ الإنفاق الحالي المعلن عنه فيها مراميه الأصلية من دون أن يتناهشه الفاسدون، وهو ما سينسحب على أيّ إنفاق إضافي. وحتى إن ابتعدنا عن نظريات مؤامرة حول شركات تصنع المرض ودواءه معاً، فإنّ أزمة الدواء الفاسد أكبر وأكثر واقعية من أن تصنف في خانة تلك النظريات.

أما في إشارة المنظمة إلى الرقم الهائل من الإنفاق السنوي، مع لفتتها إلى حرمان نصف سكان العالم من الخدمات الصحية، فمأساة أكبر من أن تحلّ بدعوة الحكومات إلى زيادة الإنفاق، إذ إنّ ذلك مؤشر على أنّ الإنفاق الأكبر يتركز في دول بعينها، وهي الدول الغنية من دون الدول الفقيرة، ما يفرض السعي إلى تحقيق المساواة على مستوى الرعاية الصحية، كحق من حقوق الإنسان الأساسية.




وبين الدعوة والإشارة تأكيد على ضرورة التصدي لنهج إفقار المرضى، فالأرقام تشير إلى أنّ نحو 925 مليون نسمة ينفقون أكثر من عشرة في المائة من دخلهم على الرعاية الصحية منهم 200 مليون نسمة ينفقون أكثر من 25 في المائة من دخلهم. ليس هؤلاء المرضى أغنياء بالضرورة، فمن ينفقون أكثر على صحتهم هم من لا يحظون بنظام رعاية صحية تتكفله الدولة، عبر صناديق ضمان (تأمين) صحي. وحتى إن توفر لهم ذلك، فإنّهم يدفعون نسبة ثابتة من رواتبهم لتغطية اشتراكات الضمان. والأسوأ أنّ نظاماً كهذا في بلد مثل لبنان مخصص للموظفين، فإن تقاعدوا حرموا من الضمان الصحي الذي سيكونون بعد الرابعة والستين (سن التقاعد) أكثر حاجة إليه من الشباب، فكأنّها عقوبة لهم أن يعملوا طوال أربعين عاماً بدلاً من مكافأتهم بتوفير كلّ ما يحتاجون إليه، لا سيما على الصعيد الصحي.

المساهمون