لا مساواة بين الفرنسيين في مواجهة السرطان

لا مساواة بين الفرنسيين في مواجهة السرطان

25 سبتمبر 2019
يجهل كثيرون ما يرتبط بأنواع العلاج (رومان لافابروج/فرانس برس)
+ الخط -
الفرنسيون يخوضون حرباً حقيقية ضدّ السرطان، وبحسب تقديرات الحكومة فإنّ نحو 400 ألف حالة جديدة تكتشف سنوياً. مع ذلك لا يتسنى للجميع محاربة المرض بالمؤونة نفسها من الإمكانات

بالرغم من أنّ عدد الحالات الجديدة لمرضى السرطان المسجلة سنوياً في فرنسا يصل إلى 385 ألفاً، فإنّ حالات كثيرة لا يجري اكتشافها لأسباب عدة، من بينها نقص التوعية ونقص الإمكانات، وهو ما يطرح سؤالاً حول اللامساواة بين المواطنين في مواجهة المرض الخطير. فهذا النقص في التوعية، يرتبط أحياناً بظروف مجتمعية واقتصادية هشة، فيجعل كثيراً من العائلات العربية والأفريقية خصوصاً خارج التغطية. وحتى سرطان الثدي، الذي يعتبر اكتشافه، بصفة مبكرة، عاملاً رئيساً في الشفاء منه، ما زال منتشراً بكثرة بينهم.

تقول المهاجرة التونسية منى الراجي، إنّ اكتشاف إصابتها بسرطان الثدي، جاء بالصدفة، حين رافقت جارتها المرضعة التي أصيبت بضمور الثدي ونقص الحليب، فاقترحت عليها الطبيبة أن تجري فحصاً بدورها: "كثيرات في مثل حالتي، لا يكتشفن المرض، إلا في نهاية المطاف، أو لا يكتشفنه أبداً".




إذاً، فالفرنسيون، ومن يعيشون في فرنسا، بسبب اختلاف مداخيلهم وأماكن سكنهم وتفاوت حصولهم على المعلومات الطبية، غير متساوين أمام هذا المرض، وهو ما خلُصَت إليه دراسة علمية أجراها معهدا "فيافويس" و"كوري". وفي الدراسة يعتبر 69 في المائة من الفرنسيين أنّهم غير متساوين أمام المرض، ويردّ 49 في المائة منهم ذلك إلى حجم دخلهم، فيما يرى 45 في المائة أنّ مكان السكن يلعب دوراً رئيساً في ذلك، ويرى 42 في المائة أنّ مستوى الوصول إلى المعلومات، يلعب دوراً بذلك، وأخيراً يرى 39 في المائة أنّ للعزلة الدور الأكبر.

وعلى الرغم من الاكتشافات الطبية، والتقدم الكبير في علاج بعض أنواع السرطان، فإنّ نسبة كبيرة من الفرنسيين غير متفائلة بخصوص العلاج، وهو ما يجعل 60 في المائة، فقط، يعتقدون بإمكانية الشفاء من هذا المرض، وهي نسبة غير كبيرة بالنسبة لبلد تتوفر فيه الإمكانات الطبية الكبيرة وبلد يستفيد من الأبحاث ويواكب التطور الحاصل في مجال مكافحة المرض. ولا شك أنّ المعلومات التي تقدم للمرضى تعتبر حاسمة، خصوصاً في ما يتعلق بتجنب السلوكيات الخطرة التي يشتبه في أنّها تؤدي إلى المرض، وضرورة الكشف المبكر. وترى غالبية الفرنسيين أنّ نقص المعلومات يخص قضيتين جوهريتين، وهما التغطية الطبية للمصابين بالمرض، بنسبة 55 في المائة، واكتشاف المرض بنسبة 53 في المائة.

ولأنّ أمراض السرطان مختلفة، وخطورتها تتفاوت، وعلاجها يتنوع، وأسبابها تتعدد، فالمواطنون في غالبيتهم يحددون هذه الأسباب، في التدخين بنسبة 90 في المائة، والمشروبات الكحولية بنسبة 80 في المائة، والتعرض للأشعّة فوق البنفسجية بنسبة 78 في المائة. لكنّ تأثير التغذية وتأثير البيئة لا يؤخذان جدياً كعاملين خطيرين، فيأتيان في مرتبة متدنية نسبياً، بنسبة 50 في المائة و48 في المائة على التوالي، ثم تأثير العمل، بما فيه من توتر وقلق بنسبة 33 في المائة، ومن بعده الفيروسات والجراثيم، في أسفل الترتيب، بنسبة 29 في المائة.

ولا شك أنّ ثمة أسباباً كثيرة لمرض السرطان ما زلنا نجهلها، وهو ما دفع البروفيسورة بياتريس فيرفيرس، في هذه الدراسة، للتحدث عن 40 في المائة منها، لا نعرفها، حتى الآن، وعن 60 في المائة من الحالات لا نستطيع شرحها كما يجب. وهو ما تعتبره عاملاً من عوامل "التفاوتات الفردية" خصوصاً حين يصاب شخص ملتزم بالنظافة بالسرطان، ولا يُصاب مدمن كحول أو مدخن تبغ. كذلك، ترى الدراسة، حين تتناول قضية "السرطان المهني" (أي السرطان في أماكن العمل)، الذي يعترف 65 في المائة من المستجوبين أنّهم يجهلونه، أنّ هناك مبالغات في الحكم عليه، فـ35 في المائة يتحدثون عن وجودهم، في أماكن العمل، مع مواد مسرطنة أو كيميائية وغيرها، وهو ما ترى فيه أماندين ميسينا، مديرة الدراسات في معهد "فيافويس" مبالغة، إذ إنّ العدد الأقرب للدقة عن نسبة العمال الذين يوجدون في اتصال مباشر بالمواد الخطرة هو في حدود 12 في المائة.

ويزداد قلق الفرنسيين ويتضاعف شعورهم بوجود مثل هذا التفاوت بين المواطنين، حينما يتعلق الأمر بتحمل نفقات المرض. وهنا يعتقد 33 في المائة أنّ نفقات العلاج لا تعوَّض بشكل كامل، فيما يرى 38 في المائة أنّ الفحوص لا تعوَّض، أيضاً بشكل كامل، ويرى 48 في المائة أنّه لا يجري تعويض كلفة المسكّنات، وترتفع النسبة إلى 76 في المائة، حينما يتعلق الأمر بالحصول، مجاناً، على علاج جديد. وليس سراً أنّ هذه المخاوف ليست في محلها، وهو ما يؤكده رئيس مجلس إدارة معهد "كوري" بالقول إنّ "مجموع ما يدفعه المريض، من جيبه، لا يتعدى 7 في المائة من تكاليف العلاج". ولأنّ فرنسا بلد الاحتجاجات، فكثيرون لا يتوقفون عن استحضار قلق الفرنسيين أيضاً، بعد انتهاء العلاج والعودة إلى البيت، إذ يرى 62 في المائة أنّه ليس من الممكن العودة إلى الحياة المهنية السابقة، وهو ما يعني تفاقم الأوضاع المالية، وهو ما لا ينفيه معهد "فيافويس".




تبقى الإشارة إلى حقيقة أنّه ليس جميع المرضى في فرنسا قادرين على دفع 7 في المائة من مجمل العلاج، خصوصاً إذا كان طويل الأمد ويتطلَّب استثمارات طبية كبيرة. وبذلك، فإنّ هناك جهداً مطلوباً من الحكومة، التي تعاني، حالياً، من ضائقة مالية، وبالتالي فإنّ هذه الأمنية صعبة التحقق في الظروف الراهنة.

المساهمون