شراء المياه الصالحة للشرب يثقل كاهل العراقيين

شراء المياه الصالحة للشرب يثقل كاهل العراقيين... مياه الحكومة غير آمنة

19 سبتمبر 2019
تكاليف مرتفعة لشراء مياه الشرب (Getty)
+ الخط -
باتت تجارة المياه الصالحة للشرب، وكل ما يتصل بها، الأكثر رواجاً في العراق، في الآونة الأخيرة، بسبب تلوث المياه في نهري دجلة والفرات، وتهالك محطات تنقية المياه الحكومية. وانتعشت هذه التجارة من خلال معامل تنقية المياه، ومنظومات التصفية المنزلية وقطع غيارها وقوارير المياه الخاصة بها، أو حتى استيراد المياه.

وكشفت إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء؛ التابع لوزارة التخطيط العراقية، أنّ ما يقرب من ثلث سكان المناطق الريفية يعانون من نقص المياه الصالحة للشرب، في وقت ما زال يشكو فيه سكان بعض المدن الكبيرة من شحّ المياه الصالحة للشرب؛ كما في مدينة البصرة أقصى جنوب البلاد.

ويقول مواطنون إنهم يتكبدون تكاليف مرتفعة شهرياً، لقاء توفير مياه صالحة للشرب ومعقمة من خلال شرائها، بعدما باتت المياه التي توفرها الحكومة بالشبكات، غير آمنة للاستهلاك حتى مع وجود "الفلاتر" التي يتم تركيبها في المنازل لتنقيتها.

يشتكي صادق راضي (41 عاماً)، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، من أنّ "شراء مياه الشرب يكلفني شهرياً حوالي 60 ألف دينار (50 دولاراً) لعائلتي المكونة من 10 أفراد، إضافة إلى الإنفاق على الكهرباء الأهلية ومصاريف وإيجار السكن".

ويضيف راضي "اضطررت لشراء منظومة تنقية منزلية صغيرة لأنّ مياه الصنبور لا تصلح للشرب بسبب تردي محطات التنقية الحكومية وسوء وضعها الخدمي، لكن هذه المنظومات مكلفة للفقراء فهي لا تقل عن 250 ألف دينار (نحو 210 دولارات)".

بدورها، تقول أمينة عثمان الزهاوي من سكان إحدى ضواحي الغربية، إنّها تعرف ستة أشخاص في الشارع الذي تقطن فيه يعانون من أمراض الكلى، توفي اثنان منهم هذا العام، ملقية باللوم على سوء جودة المياه.

وتروي الزهاوي معاناتها لـ"العربي الجديد"، بالقول "أقتطع من مصروفي لشراء مياه نظيفة لي ولأهل بيتي، وهذا السبيل الوحيد لتجنب السيناريو المرعب الذي ينتظر سكان أبو غريب وباقي مناطق ضواحي بغداد، بسبب المياه التي تصل وهي خليط من مواد وترسبات مؤذية وغير صالحة لأن تدخل جسم الإنسان".

وتضيف الزهاوي "نحو 6% للمياه و10% للكهرباء وخدمات أخرى، تذهب من مرتباتنا الشهرية، في الوقت الذي يجب أن تلتزم الحكومة بتوفيرها للمواطنين، بينما تتركنا في قبضة التجار وجشعهم".

يحيى الربيعي صاحب أحد معامل تنقية وبيع المياه في بغداد، يشير إلى أنّ معمله من بين نحو 300 معمل موجود في العاصمة يبيع المياه للمواطنين، بينما وجدت معامل أخرى خارج بغداد وتبيع قوارير وقناني مختلفة الأحجام، والسبب أنّ السكان لا يثقون بمياه الحكومة، "فقد دفع كثيرون كلاويهم ثمنها"، وفقاً لتعبيره.

ويضيف: "محطات تصفية المياه في العراق صارت قديمة حرفياً، والمياه تزداد تلوثاً وشبكة المياه الواصلة للمنازل تحتاج إلى التغيير فهي تعود لخمسينيات وستينيات القرن الماضي، لذلك  يشتري الناس المياه للشرب والطبخ والاستحمام والغسل فقط من الحكومة"، مبيناً أنّ "حجم تجارة المياه في كل العراق عبر القطاع الخاص، يبلغ يومياً بضعة ملايين من الدولارات، وهذا مبلغ كبير يهدر على شيء هو من أساسيات خدمات المواطن في أي بلد".

ويتابع "رغم أننا مستفيدون من ذلك، لكننا نحزن على من لا مال له، ويشرب من ماء الصنبور فهو بالعادة الحلقة الأكثر خسارة في العراق".



من جانبهم، وجد أصحاب رؤوس الأموال، فرصة لاستثمار أموالهم في تجارة مياه الشرب سواء تلك التي يستوردونها من خارج البلاد، أو بإنشاء محطات ومعامل تصفية داخل المدن وبيع المياه المعبأة في قنان بلاستيكية.

ويقول فائز حسان وهو تاجر استيراد مواد تدخل في تعقيم المياه، إنّ" تجارة مياه الشرب لم تكن معروفة سابقاً نتيجة وجود محطات تنقية حكومية محكمة تشرف عليها لجان خاصة بشكل دوري، ولتزايد نسب التلوث في الأنهار أصبحت مياه الشرب تباع بالقوارير الآن، فأُنشئت عشرات المعامل الخاصة بتنقية وتعبئة مياه الشرب في مختلف مدن العراق".

وانتشرت محلات صيانة محطات التنقية المنزلية الصغيرة، ومعامل تنقية وتعبئة مياه الشرب بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة في البلاد، فيما تعاني المدن والقرى والأرياف من حاجة ملحة لمزيد من العناية بالمحطات القديمة، وبناء محطات تصفية حديثة تلبي حاجة النسبة السكانية المتزايدة، بحسب مهندسين.

وكانت أزمة مياه الشرب، سبباً غير مباشر لأحداث أمنية وقعت، العام الماضي، لا سيما في محافظة البصرة أقصى جنوب العراق، إذ خرجت مظاهرات حاشدة احتجاجاً على تردي الخدمات ومنها خدمة توفير المياه، تطورت لاحقاً إلى مواجهات مع قوات الأمن، ما أوقع العشرات من القتلى والجرحى، بينما لم تقدم الحكومة حلولاً حتى الآن.