آثار الأسلحة تهدّد صحة الليبيين

آثار الأسلحة تهدّد صحة الليبيين

18 سبتمبر 2019
إطلاق نار لا تحمد عقباه (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

في المناطق التي تشهد اقتتالاً حول العالم، تُسجَّل دائماً تبعات صحية خطرة على السكان، وذلك على المدى المتوسط وكذلك البعيد. الأمر لا يختلف في ليبيا، ويحذّر خبراء من الأسوأ بعد فترة من الزمن.

ما زالت أحياء جنوب العاصمة طرابلس في حالة حرب مذ أطلق اللواء المتقاعد خليفة حفتر عمليته العسكرية في بداية إبريل/ نيسان الماضي للسيطرة عليها. وأبرز تلك الأحياء هي قصر بن غشير، وخلة الفرجان، وعين زارة، ووادي الربيع، بالإضافة إلى عشرات القرى الواقعة في المساحات الممتدة ما بين غريان (غرب)، وترهونة (جنوب شرق). وعلى مدى الأشهر الخمسة الأخيرة، لم يمرّ يوم من دون أدخنة تتصاعد من داخل تلك الاحياء نتيجة القصف المدفعي أو الجوّي، وهو أمر يحذّر من تبعاته الطبيب الليبي علي قنيدي، إذ يعدّه "خطراً محدقاً بحياة الإنسان". ويقول قنيدي إنّ "متابع أحداث الحرب تأسره عادة التبعات السياسية والمستجدات الميدانية، فلا يلحظ الآثار التي قد تخلّفها تلك الحرب وأسلحتها على المدى المتوسط والبعيد على صحة المواطنين"، موضحاً أنّ "تلك المناطق مهدّدة بانتشار عدد من الأمراض، في حين تعاني ليبيا انهياراً في القطاع الصحي عموماً وفي إمكانيات المراكز الصحية. يُضاف إلى ذلك عدم توفّر وعي حقيقي لدى المواطن إزاء المخاطر المحتملة".

عند سؤال الخبير العسكري الليبي محيي الدين زكري عن الأسلحة المستخدمة في ليبيا وأنواعها، يجيب "العربي الجديد": "نحن لا نعرف على وجه الدقة ما هي تلك الأسلحة، فالأطراف التي تقدّم السلاح خارجية، ولا تكترث بأيّ قرارات حظر تطاول أسلحة أو أخرى. هكذا فإنّ ليبيا تُعَدّ مسرحاً لتجريب الأسلحة الجديدة وكذلك تدمير القديمة منها". ويلفت إلى "إعلان فرنسا نيّتها تدمير صواريخ من نوع جافلن عُثر عليها في يونيو/ حزيران الماضي في غريان بسبب عدم صلاحيتها". يضيف زكري أنّ "انتهاء صلاحية أسلحة ما يعني عدم قدرتها على تنفيذ هدفها القتالي، من دون أن يعني ذلك انتهاء آثارها البيولوجية والكيميائية الناتجة عن مواد تصنيعها"، مشيراً إلى أنّ "عمليات تدمير الأسلحة تتمّ في ظروف خاصة وليس في معسكرات بين الأحياء السكنية".




وفي يونيو/ حزيران الماضي، تداولت وسائل إعلام محلية وعالمية صوراً لقنابل عنقودية محرّمة دولياً، عُثر عليها في ساحات الحرب في طرابلس بعد قصف نفّذته قوات حفتر. ويعلّق قنيدي على الأمر قائلاً إنّ "آثار استخدام مثل تلك القنابل على الصحة والبيئة على المدى الطويل والقصير معروفة، لكنّ الخطر الأكبر يكمن في بقائها في الأرض وانفجارها في وجه أيّ مار في أيّ لحظة". ويتساءل: "ما الذي يؤكد جمع كل تلك القنابل العنقودية؟". وفي هذا الإطار، يقول صلاح يونس، وهو أحد العاملين في إدارة معالجة المتفجرات التابعة لهيئة السلامة الوطنية الحكومية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأحياء حيث يستمرّ القتال ما زالت بعيدة عن جهود الهيئة، بالتالي ما زالت مخلفات الأسلحة فيها كثيرة وتهدد حياة المواطنين".

ويذكر قنيدي أنّ "رصد مخلفات الأسلحة على الصحة في مناطق انتهت فيها الحرب كمدينة سرت الواقعة ما بين طرابلس وبنغازي، ينذر بخطر حقيقي يواجه سكان طرابلس"، مؤكداً أنّ "حالات مرضية بدأت تظهر وتتمثّل في مشكلات تنفسية من جرّاء مخلفات الأسلحة". ويدعو إلى "ضرورة دراسة مسببات انتشار أنواع جديدة من الأمراض وعودة أخرى سبق وقُضي عليها قبل عقود".



بالنسبة إلى قنيدي، فإنّ "إجلاء الناس من مساكنهم للحفاظ على أرواحهم ليس حلاً، إذ إنّهم سوف يعودون يوماً ما. حينها تبدأ المشكلة لأنّهم سوف يتعايشون مع آثار مخلفات تلك الأسلحة". ويشير إلى أنّ "تلك الآثار بدأت تظهر في بنغازي. فثمّة أمراض غريبة تتعلق بالدم رصدها زملاء لي في بنغازي بعد فحوصات معمّقة خضع لها عدد من السكان. وتلك الأمراض مستجدّة، بالتالي يعني ذلك أنّها نتيجة مخلفات أسلحة تحتوي مواد كيميائية معيّنة من قبيل حمض هيدروسيانيك".

تجدر الإشارة إلى أنّ طيران دول أجنبية شارك في عملية "البنيان المرصوص" التي قادتها قوات حكومة الوفاق الوطني في ليبيا في وجه تنظيم "داعش" في سرت في عام 2016. أمّا بنغازي فقد عاشت حرباً على مدى أربعة أعوام بين قوات حفتر وخصومه انتهت بتدمير كامل لأحياء عدّة، لا سيّما وسط المدينة.

وفي السياق، يرى قنيدي أنّ "عدم توفّر رصد رسمي لآثار الحرب وما يمكن أن تخلّفه وعدم الإعلان عن ذلك بسبب خلفيات سياسية لا يعنيان عدم وجودها"، مؤكداً أنّ "انتعاش الليشمانيا والصفراء (اليرقان) اللذين رُصد انتشارهما بشكل واسع في الآونة الأخيرة مرتبط بمخلفات الأسلحة". ويشير إلى أنّ "استخدام البراميل المتفجرة في بنغازي بشكل كبير سوف يخلّف آثاراً كذلك، فيما تبقى مواده حيّة لأعوام ومن غير الممكن ملاحظتها حتى بعد تطهير المكان". ويتابع قنيدي أنّ "الخطر يتعاظم، فمخلفات تلك الأسلحة وصلت إلى حدّ التأثير على مياه الشرب الجوفية وعلى المنتجات الزراعية وعلى البيئة المحيطة كذلك، من خلال تحلل الجثث في عدد من الأحياء حيث ما زالت ملقاة في الشوارع وإلى جانب البيوت". ويطالب "الجهات الدولية المعنية بشؤون الإغاثة كاللجنة الدولية للصليب الأحمر بمضاعفة جهودها لعلّنا نتلافى أكبر قدر من مخاطر آثار الأسلحة".




وبينما لم يؤكد يونس ملاحظة فرق هيئة السلامة "وجود أسلحة محرّمة حتى الآن في المناطق التي عملت فيها"، يقول إنّ "فرق السلامة ما زالت بعيدة عن مناطق متوترة ما زالت العمليات القتالية مستمرة فيها". يضيف: "ولا ننفي وجود مثل تلك الأسلحة".

دلالات

المساهمون