إحالة 19 قاضياً فلسطينياً للتقاعد المبكر

إحالة 19 قاضياً فلسطينياً للتقاعد المبكر

17 سبتمبر 2019
مبنى المجلس الأعلى للقضاء الفلسطيني في غزة(محمود حمس/فرانس برس)
+ الخط -
بعد أن كشف رئيس المجلس القضاء الأعلى الانتقالي الفلسطيني، عيسى أبو شرار، لـ"العربي الجديد"، عن قرار إحالة 19 قاضياً من المحكمة العليا إلى التقاعد المبكر، ينشر اليوم الثلاثاء، ظهرت اتهامات من قضاة في المجلس ممن شملهم القرار، معتبرين أن ما جرى شكل من أشكال التحايل على قرار المحكمة الدستورية الأخير، و"تعطيل للحكم القضائي"، وبأن القرار الرئاسي بخفض سن تقاعد القضاة غير دستوري.

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس أصدر، أول من أمس الأحد، قرارا بإحالة عدد من القضاة إلى التقاعد المبكر، بناء على تنسيب مجلس القضاء الانتقالي وليس من الرئيس، ونشرت الوكالة الرسمية "وفا" خبر القرار من دون أية تفاصيل أخرى. وهو الأمر الذي أكده أبو شرار لـ"العربي الجديد" اليوم الثلاثاء.


وأوضح أبو شرار أن "هذا القرار يأتي في نطاق المهمات الملقاة على عاتق مجلس القضاء الأعلى الانتقالي؛ لإصلاح القضاء الفلسطيني، بما يؤدي إلى تعزيز ثقة الجمهور في قضائه".

ويبدو أن هذه الإحالات للتقاعد لن تكون الأخيرة، إذ يؤكد أبو شرار أن هذه الخطوة ستتلوها خطوات أخرى. وقال: "بمعنى أن مجلس القضاء الأعلى المناط به إصلاح القضاء؛ لن يبقي أي قاضٍ غير صالح للاستمرار، فنحن نعمل على إعادة تقييم للقضاة وفق أسس شفافة ونزيهة، ومبنية على معطيات محددة، كلما خطونا خطوة وأنجزنا شيئا من التقييم، وتبين لنا أن هناك قضاة لا يوجد أي إمكانية لإبقائهم، لأن وجودهم يؤدي إلى زعزعة ثقة الجمهور بالقضاء".

ويستند قرار الإحالة إلى التقاعد إلى قرار بقانون معدل لقانون السلطة القضائية، صدر الأحد أيضا، عن الرئيس عباس، بحسب أبو شرار، "يجيز ذلك التعديل لمجلس القضاء الأعلى إحالة أي قاضٍ إلى التقاعد؛ إذا كان لديه خدمة مقبولة للتقاعد مدتها 15 سنة، وإذا كانت أقل من ذلك في حدود 10 سنوات أو أكثر؛ يحال على الاستيداع لإكمال مدة التقاعد".

وأكد أبو شرار أن تلك الصلاحية أعطيت لمجلس القضاء الأعلى، سواء كان انتقاليا أو دائما، حتى يتمكن من خلالها العمل على إعادة بناء القضاء وتنقيته من أية شوائب تسيء له أو تنال من سمعته.

في المقابل، اعتبر القاضي في المحكمة العليا عزت الراميني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، القرار بأنه "شكل من أشكال التحايل على قرار المحكمة الدستورية الأخير"، إذ أصدرت المحكمة الدستورية العليا، الخميس الماضي، حكماً بعدم دستورية القرار بقانون رقم (16) لسنة 2019، بشأن خفض سن تقاعد القضاة من 70 إلى 60 عاما، وردت الطعن على قرار بقانون رقم (17) لسنة 2019 بشأن تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي، بعد تقديم 16 قاضيا، والراميني واحد منهم، طعنا على القرارين.

ووصف الراميني القرار الأخير بأنه "تعطيل للحكم القضائي"، وأشار إلى المادة 106 من القانون الأساسي الفلسطيني التي تنص على أن الأحكام القضائية واجبة التنفيذ، وأن الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها على أي نحو يعتبر جريمة يعاقب عليها بالحبس، والعزل من الوظيفة.

وأشار الراميني إلى أن نص القانون الأساسي يشير إلى عدم قابلية عزل القضاة إلا في الأحوال التي يجيزها قانون السلطة القضائية، باللحظة التي يرتكب فيها القاضي مسلكا إداريا سيئا أو ارتكاب جنحة أو جناية أو رشوة، ويحال إلى محكمة تسمى مجلس التأديب في تلك الحالات.

وعن الاتهام بالتحايل على قرار الدستورية، رد أبو شرار بالقول: "هذا هو رأيهم، الرئيس أصدر قانونا واعتبرته المحكمة الدستورية غير دستوري، لكن هذا القرار (التقاعد المبكر)، كان بتنسيب من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، أي من اتخذ القرار هو مجلس القضاء الأعلى الانتقالي وليس الرئيس، وعندما خفض الرئيس سن التقاعد، كان ذلك بناء على توصية لجنة تطوير وإصلاح القضاء الفلسطيني".

الراميني، بدوره، أشار إلى أن المعلومات لديه بأن معظم من أحيلوا للتقاعد هم ممن قدموا الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، مؤكدا أنه لم يبلغ بذلك حتى اللحظة بشكل رسمي، وحصل على إجابات شخصية من أعضاء في مجلس القضاء تفيد بأن من شملهم التقاعد بمعظمهم من تقدموا بالطعن إضافة إلى آخرين، معتبرا القرار إمعانا في إهانة القضاة، ومؤكدا أنه كان قد تقدم باستقالته منذ اللحظة الأولى لإعلان الرئيس عباس القرارين بقانون 16 و17، احتجاجا "لأنه مساس بالسلطة القضائية".

ورفض المستشار عيسى أبو شرار، في حديثه مع "العربي الجديد"، اعتبار التقاعد المبكر خروجا غير مشرف للقضاة، مؤكدا أن إصلاح القضاء يتم في كل دول العالم بين الفينة والأخرى، خصوصا أن "جهاز الإحصاء أشار في دراسة له بأن 78 بالمائة من الفلسطينيين لا يثقون في القضاء".

وقال أبو شرار: "إن معظم القضاة سيحصلون على تقاعد الحد الأعلى وهو 75 بالمائة من الراتب"، معتبرا أن الأمر متعلق بتوقف عطاء القاضي وعدم إمكانية تطوير عطائه، رافضا الربط بين التقاعد ووجود مخالفات أو شبهات على القضاة، قائلا: "هناك فرق بين المخالفات التي تؤدي إلى المحاسبة، وبين عدم تطوير القاضي لنفسه، عدم تطويره لنفسه لا يوجد عليه عقوبة في القانون".

وكان الرئيس محمود عباس أصدر، في يوليو/تموز الماضي، قرارين بقانون بشأن السلطة القضائية، حل وفقا لأحدهما مجلس القضاء الأعلى، وشكل مجلسا انتقاليا بهدف إصلاح القضاء، في حين خفّض الآخر سن تقاعد القضاة إلى 60 عاما، وهما قراران أثارا جدلا كبيرا في الساحة الحقوقية بين مؤيد للإصلاح، وبين من اعتبره تغولاً من السلطة التنفيذية على القضاء.