سوء تغذية في أسر اليمن غير الفقيرة

سوء تغذية في أسر اليمن غير الفقيرة

15 سبتمبر 2019
يُسْر عائلتها لم يمنع عنها سوء التغذية (فرانس برس)
+ الخط -

يتزايد عدد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم في اليمن، يوماً بعد آخر، منذ بدء الحرب في البلاد قبل أكثر من أربعة أعوام، من جرّاء نقص الغذاء، خصوصاً في المحافظات الساحلية. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها المنظمات الدولية العاملة في المجالَين الإنساني والصحي للحدّ من توسّع رقعة انتشار ذلك المرض في داخل البلاد، فإنه راح ينتشر بطريقة لافتة في مدن كانت حتى وقت قريب خالية منه. لكن إلى جانب تسبّب الحرب في حالات كثيرة من سوء التغذية، ثمّة حالات أخرى غير مرتبطة بها.

محمد فهد يبلغ من العمر أربعة أعوام، واحد من صغار اليمن الذي يعانون سوء التغذية، الأمر الذي تسبب في إضعاف مناعته. يخبر والده "العربي الجديد" أنّه "راح يفقد الرغبة في تناول الطعام والشراب بشكل تدرجي، ما أدّى إلى انخفاض وزنه في خلال أقلّ من شهرين. وبعدما خفّ وزنه بشكل كبير، نقلناه إلى مستشفى خاص في أمانة العاصمة صنعاء لتلقّي العلاج، فتبيّنت إصابته بمرض سوء التغذية من جرّاء التغذية غير السليمة". ويشير الوالد إلى أنّ "التشخيص فاجأني، فأوضاعنا المعيشية مستقرة. وأنا لا أذكر أنّني قصّرت في يوم بتوفير أيّ من احتياجات طفلي منذ ولادته وحتى الآن". يضيف والد محمد أنّ "الطبيب وصف لطفلي بعض الأدوية والمكملات الغذائية، وفي خلال الأسبوع الأول من العلاج تحسّنت حالته بشكل كبير وتقرّر خروجه من المستشفى على أن يعود من حين إلى آخر لمتابعة علاجه". ويتابع أنّ "الطبيب شرح لزوجتي ما هي الأطعمة التي يجب أن يتناولها طفلنا، موضحاً لنا أنّ أسلوب التغذية السابق لم يكن مناسباً له ولا يحميه من الأمراض".

سهام العلفي تبلغ من العمر خمسة أعوام، وهي كذلك تعاني سوء التغذية على الرغم من أنّها من عائلة ميسورة، فوالدها يعمل في شركة كبيرة ويحصل على راتب يوفّر حياة كريمة لأفراد عائلته. تخبر والدتها "العربي الجديد" أنّها "أصيبت بسوء التغذية نظراً إلى عدم تناولها غذاءً يوفر لها اللازم والمفيد. فأنا لم أكن أهتمّ بوجود الخضار والحليب والجبن والبيض على مائدتنا اليومية. وابنتي كانت ترغب دائماً في تناول الحلويات ورقاقات البطاطس من السوق، الأمر الذي كان يجعل شهيّتها أقلّ في المنزل. وفي النهاية، حملناها إلى المستشفى حيث خضعت إلى العلاج". وتعترف والدة سهام بأنّ "إصابة ابنتي بسوء التغذية ليست شبيهة بإصابات بقيّة الأطفال، وأنا مسؤولة عن ذلك بدرجة أساسية لأنّني لم أهتمّ بغذائها وكنت أظنّ بأنّني لو اشتريت لها الحلويات والبطاطس من السوق فإنّني أجعلها سعيدة".




ومرض سوء التغذية لا يقتصر على الأطفال في اليمن، فهو ينتشر في أوساط النساء الحوامل والمرضعات من جرّاء عدم تضمّن الغذاء الذي يتناولنَه في أثناء فترة الحمل على المغذيات الضرورية، وهو أمر يتسبب في مشاكل صحية للمرأة وطفلها على المدى القصير وكذلك الطويل. تخبر سامية عبد الرحمن "العربي الجديد" في هذا الإطار: "شعرت بحالة من الضعف والإعياء في بداية الشهر الثامن من حملي. وعلى الأثر، قصدت مرفقاً صحياً قريباً من منزلي للاطمئنان على صحّة الجنين، فتبيّنت من خلال الفحوصات الطبية إصابتي بمرض سوء التغذية". تضيف عبد الرحمن أنّ "التشخيص أصابني بالدهشة، لا سيّما أنّ زوجي يعمد إلى توفير كل ما تحتاجه العائلة وكل ما أشتهيه أنا من غذاء. لكنّ الطبيبة أكّدت لي أنّ السبب وراء إصابتي بسوء التغذية ليس قلّة الغذاء إنّما التغذية غير السليمة. وقد وصفت لي بالتالي بعض المكملات الغذائية والفيتامينات". وتشير عبد الرحمن إلى أنّ "مرضعات كثيرات أعرفهنّ عانينَ من سوء التغذية نظراً إلى جهلهنّ بالأطعمة المناسبة للأمهات في مرحلة ما بعد الولادة".

من جهتها، تقول أميرة الصبري، وهي ممرضة تعمل في أحد المرافق الصحية الحكومية في صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مركزنا يستقبل مصابين كثيرين بمرض سوء التغذية من أطفال ونساء حوامل ومرضعات، بوتيرة يومية. وفور وصولهم إلى المركز، نخضعهم إلى الفحوصات اللازمة ونزوّدهم بالفيتامينات والمكملات الغذائية المتوفّرة لدينا. لكنّنا نستبقي لدينا الحالات التي تحتاج إلى الاستشفاء والرعاية الخاصة". وتؤكّد الصبري أنّ "مرض سوء التغذية انتشر بشكل لافت في خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة في صنعاء والمناطق المجاورة لها بسبب نقص الغذاء والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السكان بمعظمهم من جرّاء تداعيات الحرب، بالإضافة إلى قلّة الوعي حول الغذاء السليم". وتشير إلى أنّ "المنظمات الدولية العاملة في المجال الصحي تدعم كلّ المراكز الصحية في البلاد بالمكملات الغذائية الذي تحتاجها النساء الحوامل والمرضعات وكذلك الأطفال دون الخامسة".




بحسب بيانات برنامج الأغذية العالمي، فإنّ أكثر من مليونَي طفل يمني يعانون سوء التغذية، فيما يقضي طفل واحد في كلّ 10 دقائق لأسباب يمكن تجنّبها، بما في ذلك سوء التغذية وأمراض يقي منها التحصين. كذلك فإنّ نصف وفيات الأطفال دون الخامسة في اليمن تعود إلى سوء التغذية. ويؤكد البرنامج أنّ نصف أطفال اليمن يعانون التقزم بسبب سوء التغذية الذي يؤثّر على نموّ الطفل. إلى جانب ذلك، ووفقاً لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2019 التي أعدتها الأمم المتحدة في فبراير/ شباط الماضي، فإنّ إجمالي عدد الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات المحتاجين إلى مكملات غذائية طبية بلغ 5.97 ملايين حالة بتكلفة تصل إلى 320 مليون دولار أميركي. وتشير المنظمة الأممية إلى أنّ اليمن يمرّ بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويحتاج 80 في المئة من سكانه (24 مليون شخص) إلى مساعدات إغاثية منقذة للحياة.

المساهمون