خطف في الجنوب الليبي

خطف في الجنوب الليبي

14 سبتمبر 2019
يراقب الطريق الصحراوي لعلّه يحظى بفريسة (ماركو لونغاري/فرانس برس)
+ الخط -

يُعَدّ الجنوب الليبي مسرحاً لعمليات خطف تكثر في الآونة الأخيرة، فتروّع المواطنين، لا سيّما هؤلاء الذين يُضطرون إلى جمع فدية لابنهم، إلى جانب ما يعيشه المختطَف على أيدي العصابات المسلحة.

بينما كان عبد السلام عثمان، مواطن ليبي من الجنوب، عائداً من عمله في منطقة الجفرة الواقعة وسط البلاد، متوجّهاً عبر الطريق الصحراوي إلى بلدته تمسة، أجبرته مجموعة مسلحة على التوقّف بعد إطلاق النار على سيارته وتعطيلها. هذا ما أفاد به عثمان مكتب الإعلام في مستشفى سبها (جنوب شرق) وما نشره على صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك" قبل أيام. كذلك، سرد عثمان كيفية تعذيبه من قبل مختطفيه، وكيف طمروا رأسه في حفرة وسط الصحراء لمدّة من الزمن، وهو شكل من أشكال التعذيب التي تعتمدها عصابات الخطف من أجل المال في جنوب ليبيا.

وروى عثمان كيف كبّلوه ورفيقه بحبال ونُقلا في مركبة إلى الصحراء، وقد استمرّت الرحلة نحو ستّ ساعات، قبل أن يجدا نفسَيهما "وسط جبال صحراوية". أضاف: "لم يكن المسلحون ليبيين وقد مارسوا بحقّنا شتّى أنواع التعذيب في خلال كل اتصال هاتفي بأهلنا، لإجبارهم على دفع الفدية المالية". في النهاية، قتلت العصابة رفيقه الذي لم تدفع عائلته فديته، فيما نجا هو. وأشار إلى أنّ أفراد العصابة أطلقوا الرصاص على رجلَيه وتركوه في العراء، قائلين له: "سينقذك أحد المارة... أنت نجوتَ لأنّ أهلك دفعوا (الفدية)".

على الرغم من ادّعاء قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر السيطرة على كامل الجنوب الليبي منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، فإنّ عمليات الخطف من أجل المال والحرابة في الجنوب بحسب المواطن حسن المبروك "باتت أمراً نعيشه يومياً". يضيف المبروك، وهو من بلدة عثمان نفسها، لـ"العربي الجديد"، أنّ "التحرّك في نطاق مناطق محدّدة آمن نسبياً، لكنّ الانتقال من منطقة إلى أخرى عبر الطرقات الصحراوية يعني مواجهة الموت"، لافتاً إلى أنّ "أهل الجنوب بمعظمهم صاروا يسافرون في جماعات ويحملون أسلحة لمواجهة خطر اعتراض طريقهم من قبل عصابات الخطف". ويوضح المبروك أنّ "هوية تلك العصابات غير معروفة بالتحديد. فبعض المسلّحين قد ينتمي إلى تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة، فيما أكثرهم يتبع عصابات أفريقية".




والمبروك واحد من ضحايا تلك العصابات وقد غادر مستشفى أوباري (جنوب) قبل أيام، بعد تلقّيه علاجاً من آثار رصاص المسلحين. يروي أنّه كان يسير على الطريق الرابط بين الشويرف وسبها قبل أن يرى حاجزاً أمنياً، "وبحكم الخبرة عرفت أنه وهميّ وأنّ القائمين عليه أفراد عصابة مسلحة. وراحوا يطلقون الرصاص في اتجاه سيارتي قبل أن أصل إلى الحاجز، فاضطررت إلى التوقّف بعدما ثُقبت إطاراتها. قيّدوني وعصبوا عينَيّ ورموني في سيارتهم". ويشير في سياق متصل إلى أنّه تعمّد السفر في سيارة رخيصة الثمن تحسّباً لحادثة سرقة. ويكمل المبروك أنّ "الأمر انتهى بي في حاوية من الحديد فيما صرت أُحرَق بالبلاستيك الذي يُذاب فوق جسمي. وكلّما علا صراخي من الألم، أسرع أهلي أكثر في جمع المال المطلوب. وقد ساهمت القبيلة عندنا في جمع قيمة الفدية، فأطلق المسلّحون سراحي فور تسلّمها". يُذكر أنّ أفراد العصابة ألقوا المبروك على قارعة أحد الطرقات العامة بعدما أطلقوا الرصاص على قدمَيه. ويشير هنا إلى أنّ ادّعاء سيطرة ما يسمّى بـ"الجيش" على الجنوب وتأمينه "أكذوبة"، متسائلاً عن "كيفية مرور قوات حفتر على تلك الطرقات يومياً من دون أن تأتي بأيّ فعل إزاء تلك العصابات... الأمر محيّر ومريب".

قصّة عثمان وقصّة المبروك ليستا الوحيدتَين، فثمّة عشرات من القصص المرعبة التي يتناقلها أهل الجنوب، والتي تحكي عن مواطنين كثيرين سقطوا ضحية رصاص تلك العصابات أو تعذيبها. في هذا الإطار، يقول أحد ضباط مديرية أمن سبها، مفضّلاً عدم ذكر هويّته لـ"العربي الجديد"، إنّ "قوات حفتر ليست موجودة إلا في المعسكرات والمناطق الحيوية، فتلك هي النقاط المهمّة بالنسبة إليهم حتى يدّعوا أنّهم يسيطرون على الجنوب. أمّا في الأحياء والأرياف، فالمواطن يتحايل على الواقع للحفاظ على أمنه"، مشيراً إلى أنّ "المليشيات القبلية الموالية لحفتر لها علاقة بتلك العصابات الأفريقية". يضيف الضابط أنّ "التناحر القبلي على خلفية ولاء بعض القبائل لحفتر وعدائها لأخرى، يجعل منه سبباً وراء عمليات الخطف. فالأفراد عند البوابات الوهمية التي تقيمها العصابات المسلحة يتلقون إخبارات حول مرور أشخاص من قبيلة أو أخرى على أحد الطرقات، فيُصار إلى خطفهم والمطالبة بفدية من أهلهم".




ويوضح الضابط نفسه الذي يصف الوضع الأمني بأنّه "مقلق جداً"، أنّ "ثمّة مناطق وقبائل اضطرت إلى أن تكون تحت سيطرة حفتر تخوّفاً من أوضاع أمنية تهدّد أبناءها. ومثال على ذلك مشاركة أبناء قبائل بلدية الشرقية (جنوب) في معركة لقوات حفتر ضدّ مسلحي المعارضة التشادية في يناير/ كانون الثاني الماضي". ويلفت إلى أنّ "سبب تلك المشاركة إقدام العصابات على خطف ستة من أبناء المنطقة، تمّ تحريرهم في تلك المعارك". بالنسبة إلى المبروك، وإلى عدد من أهل الجنوب الليبي، فإنّ "ثمّة أسباباً سياسية وراء انهيار الأمن وسيطرة المليشيات الأفريقية. وتلك الأسباب تتعلق بإرغام حفتر قبائل الجنوب على الانضواء تحت سلطته أو مواجهة مصيرها مع تلك العصابات".

دلالات