متسللون إلى مكة من الداخل والخارج

متسللون إلى مكة من الداخل والخارج

10 اغسطس 2019
هل أوراقه سليمة؟ (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
مع كلّ موسم حج، تعاني الجهات الأمنية في السعودية والجهات المتخصصة من الحج غير النظامي الذي يرهقها إدارياً وإجرائياً ومالياً، في تتبع الحجاج غير النظاميين والقبض عليهم ومنعهم من الدخول إلى المناطق المقدسة أو إنقاذهم أثناء محاولتهم التهرب من النقاط التفتيشية عبر الجبال الوعرة أو الكثبان الرملية الخطرة.

أبو مطر الشمري، ينحدر من منطقة حائل شمالي المملكة العربية السعودية، ويحج سنوياً بطريقة غير نظامية بسبب عدم سماح السلطات للحجاج المقيمين داخل السعودية سواء أكانوا سعوديين أو وافدين بالحج، سوى مرة واحدة كلّ خمسة أعوام، لأغراض تنظيمية. يقول أبو مطر لـ"العربي الجديد" إنّه يذهب في رحلة الحج بسيارته التي تحمل ثمانية ركاب، وذلك رفقة عدد من أصدقائه وأبناء أعمامه، إذ يستغلون معرفتهم بالطرقات البرية للوصول إلى مكة المكرمة، من دون المرور في نقاط التفتيش التي تحاول اصطياد المتسللين.




عن السبب الذي يدفعه لاتخاذ هذه المخاطرة بالرغم من تحذيرات السلطات المتكررة بعدم الحج بغير تصريح نظامي خوفاً على سلامة الحجاج، إذ إنّ الاكتظاظ والتزاحم قد يحمّلان المشاعر المقدسة فوق طاقتها الاستيعابية ما يمكن أن يؤدي إلى كوارث إنسانية، يقول أبو مطر: "هي رغبة لديّ في أن أكون حاجاً كلّ عام طوال عمري لتمحى ذنوبي وأحصل على الثواب العظيم. هي عادة لديّ منذ عشرين عاماً، ولا أنوي التوقف عنها بسبب إجراءات نظامية لا معنى لها".

لكنّ محاولات الحج غير النظامي لا تقتصر على المواطنين السعوديين بل تمتد إلى المقيمين داخل السعودية، إذ يحاول أبو سمية، وهو مواطن مصري يعمل مؤذّناً في إحدى القرى شرقي السعودية، الدخول إلى مناطق الحج هذا العام وأداء الفريضة، بالرغم من حجّه العام الماضي. وهكذا، يعرّض نفسه لخطر الترحيل في حال إمساك الجهات الأمنية به. يعلّق أبو سمية لـ"العربي الجديد": "أجد أنّه واجب شرعي على المقتدرين أن يحجوا كلّ عام خصوصاً إذا كانت مكة المكرمة لا تبعد عنك سوى بضع مئات من الكيلومترات، ولديك مقدرة مالية وجسدية على الحج".

أعادت السلطات السعودية، العام الماضي، أكثر من خمسة وثلاثين ألف حاج من داخل السعودية، ومن بلدان الخليج التي يتمكن مواطنوها من الدخول إلى السعودية من دون تأشيرة، فيما أعادت هذا العام عدداً من المواطنين المصريين الذين استخرجوا "تأشيرة ترفيهية" وهي التي تمنح خلال ساعات فقط، لحضور فعاليات هيئة الترفيه التي تشرف على الحفلات الموسيقية والفنية في عدد من المدن، من بينها مدينة جدة المجاورة لمكة المكرمة، لكنّ السلطات اكتشفت في ما بعد أنّهم كانوا ينوون الحج.

تطلق السلطات سنوياً، حملة توعية إعلامية تحت شعار "لا حج بلا تصريح" تتضمن تحذيرات بعقوبات مالية وإدارية ضد الحجاج غير النظاميين، بالإضافة إلى إصدار الجهات الدينية فتاوى تؤكد حرمة الحج غير النظامي لما يؤدي ذلك من إضرار ببقية الحجاج وتعطيل موسم الحج وخطورة على الحاج غير النظامي نفسه. وتتضمن لوائح العقوبات السجن لمدة تصل إلى شهر وعقوبات مالية تصل إلى 250 ألف ريال سعودي (66.666 دولاراً أميركياً) بحق الحجاج غير النظاميين حال اعتقالهم.

لكنّ السلطات قررت التشدد في الإجراءات وفرض عقوبات أقسى بحق المتورطين بنقل الحجاج غير النظاميين من أصحاب السيارات والحافلات الخاصة والذين يمثل موسم الحج لهم مصدر دخل كبير، فأعلنت وزارة الداخلية عن فرض عقوبة بالسجن تصل إلى ستة أشهر والغرامة بمبلغ 50 ألف ريال (13.333 دولاراً) تفرض على مقدمي خدمات النقل، عن كلّ حاج غير نظامي تضبطه السلطات.

وبحسب صحيفة "عكاظ" واسعة الانتشار في السعودية، فإنّ السلطات نفذت أولى عقوباتها على الحجاج غير النظاميين حينما ضبطت مواطنين حاولا الدخول إلى المشاعر المقدسة بطريقة غير نظامية وفرضت على الأول عقوبة بالسجن 15 يوماً والغرامة 150 ألف ريال (40 ألف دولار) بالإضافة إلى التشهير به، فيما فرضت على الثاني عقوبة بالسجن 15 يوماً والغرامة 40 ألف ريال (10.666 دولاراً) مع التشهير به أيضاً.




يتحدث خالد الظفيري، وهو حاج من الكويت، سبق له الحج بطريقة غير نظامية العام الماضي، إلى "العربي الجديد" عن تلك الرحلة: "بعد تجاوز الحدود الكويتية – السعودية بقليل، جرى توقيفنا من قبل السلطات الأمنية، فكذبنا وقلنا إنّنا متجهون إلى الرياض لزيارة أقاربنا، لكنّ ذلك لم يكن كافياً إذ فتشونا، للعثور على ملابس الإحرام، ولحسن الحظ لم يعثروا عليها بالرغم من أنّها كانت معنا". يضيف: "بعد تجاوزنا هذه النقطة، بدّلنا وجهتنا نحو مكة المكرمة. وعند عودتي إلى الكويت سألت إدارة الإفتاء بوزارة الأوقاف عن صحة أدائي للحج فأجابوا بأنّه صحيح لكنّ عليّ إثما كبيرا بسبب تضييقي على المسلمين (ممن يحجون نظامياً)".

ويتسبب الحجاج غير النظاميين بارتباك كبير في المناطق المقدسة، لكنّ الجهات المسؤولة تشير إلى أنّهم يتناقصون عاماً بعد عام، بسبب الوعي الديني والثقافي وتشديد الإجراءات الأمنية، وفرض تقنيات جديدة تمكّن الجهات الأمنية من كشف المتسللين، خصوصاً مع توافر الطيران المروحي الذي سهّل على السلطات تغطية مساحات شاسعة من الصحراء والجبال لكشف المتسللين.