الضجيج كابوس التونسيين صيفاً

الضجيج كابوس التونسيين صيفاً

29 اغسطس 2019
الضوضاء في كلّ مكان (العربي الجديد)
+ الخط -

في خضمّ حركة يومياتنا المتسارعة، يحيط بنا الضجيج من كلّ الجهات مع ما قد يخلّفه من أضرار، في تونس وحول العالم.

أصوات الباعة وأبواق المركبات وصخب حركة المرور، وضجّة ورش الميكانيك والمصانع والمحالّ والأصوات الصادرة من شاشات التلفاز والمكبرات في حفلات الزفاف والسهرات... فنجد أنفسنا وسط تلوّث ضوضائي يكاد يصيبنا بالصمم. وتشكو في السياق زينة، وهي امرأة خمسينية تقطن في حيّ شعبي عند دوّار هيشر في تونس العاصمة، "الضجيج الذي يتسبّب فيه جيراني، فهم يستمعون إلى الموسيقى الصاخبة ويتحدّثون بصوت مرتفع، الأمر الذي جعلني أتورّط في مشكلات شبه يومية معهم. فذلك الضجيج نغّص عليّ حياتي، إلى درجة جعلتني أفكّر جدياً بترك الحيّ الذي قضيت فيه ما يزيد عن 20 عاماً".

والقوانين التونسية تحظر إحداث أيّ ضجيج من شأنه إقلاق راحة السكان، وخصوصاً ما بين الساعة العاشرة ليلاً والثامنة صباحاً. فهي تمنع الضجيج المنبعث من المساحات المفتوحة للعموم أو من المباني والمنازل، وكذلك استخدام مكبّرات الصوت، إلا بتراخيص مسبقة وفي مساحات معيّنة، في أماكن للتجمّعات والحفلات وفي المسارح وقاعات الأفراح. على الرغم من ذلك، فإنّ حدّة الضجيج ترتفع صيفاً فتتزايد المخالفات وتنغّص راحة التونسيين. يُذكر أنّ البلديات بمعظمها، تضع في كلّ موسم صيف، برنامجاً خاصاً ينطلق من أوّل يوليو/ تموز ويمتد إلى 16 سبتمبر/ أيلول، يهدف إلى مواجهة الضجيج الصادر عن الحفلات الخاصة، فتعمد فرق متنقّلة إلى تطبيق ذلك البرنامج ومتابعته في الدوائر البلدية بالإضافة إلى فصل فرق مركزية في مراكز الشرطة البلدية.

يقول الطبيب المتخصص في أمراض الأذن والأنف والحنجرة وليد العش لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخلايا الداخلية في الأذن تموت تدريجياً، وعلى مرّ السنين يضعف السمع أو يُفقَد كلياً"، لافتاً إلى أنّ "كلّ شخص معرّض للضجيج وللأصوات القوية وسط حركة المرور وفي الحفلات الصاخبة، ومن جرّاء الاستخدام المفرط للسماعات لدى الشباب وكذلك الهواتف الجوّالة". يضيف أنّ "الأشخاص الذين يعملون في محيط مليء بالضجيج معرّضون أكثر من غيرهم إلى ضعف السمع أو فقدانه في فترة تتراوح ما بين 10 و15 عاماً. ويُعَدّ ذلك من حوادث الشغل". ويتابع العش أنّه "خلال فصل الصيف، تتزايد الحالات التي نستقبلها والمتعلقة بالتعرّض إلى صدمات صوتية، سواء في خلال حفلات الزفاف أو في الملاهي الليلية"، شارحاً أنّ "الشخص المصاب يشعر بطنين وبضعف السمع أو بآلام في الرأس. وذلك يتطلب قياس السمع وتحديد الضرر الناجم عن الأصوات القوية والنقص الحادّ والفجائي في السمع. وتلك تُعَدّ حالات طارئة تتطلب التدخّل السريع حتى لا يتلف السمع".




ويتابع العش أنّ "الأطفال والمراهقين هم أكثر تأثراً من غيرهم بالأضرار الناجمة عن الأصوات القوية، وبعض هؤلاء يصل إلى سنّ البلوغ مع ضعف في سمعه". ويوضح أنّ "الأشخاص المعرّضين للضجيج المستمرّ مهدّدون بفقدانهم السمع، من ثم عليهم اتّباع خطوات وقائية يشرحها لهم الطبيب المختصّ لتفادي تلف سمعهم مبكراً". ويدعو العش إلى "عدم تعريض الأذن إلى الضجيج المتواصل. وفي حال اضطر الشخص إلى سماع أصوات قوية، لا بدّ له أن يريح أذنَيه مرّة كل ربع ساعة، مع الحرص على عدم تجاوز قوّة الصوت نسبة 60 في المائة في ما يتعلّق بالتلفاز أو الهاتف أو عند سماع الموسيقى"، مؤكداً أنّه "عند تخطّي هذه النسبة، تظهر بعض الأعراض السلبية وتتأثّر سلامة الأذن".

من جهته، يقول رئيس بلدية منطقة رأس الجبل (شمال) مصطفى بوبكر لـ"العربي الجديد"، إنّ "الفرق البلدية تعمل بالتنسيق مع وزارة الداخلية لمقاومة الضوضاء في خلال موسم الصيف. وتُسجَّل المخالفات من قبل عناصر الشرطة التي تهتم برصدها، في حين تهتم البلديات بمنح تراخيص حفلات الزفاف والأنشطة الموسيقية، مع التأكيد على ضرورة احترام التوقيت". ويوضح بوبكر أنّ "البلديات تؤدّي دوراً مهماً في توعية السكان وحثّهم على احترام حقوق الآخرين، ومراعاة أوضاعهم في خلال إقامة حفلات مع استخدام مكبّرات الصوت"، مضيفاً انّ "حفلات الزفاف بمعظمها صارت تقام في أمكنة مخصصة لذلك بعيداً عن المنازل، ما يجنّب السكان التعرّض إلى الضجيج. لكنّ ثمة أشخاصاً ما زالوا يقيمون حفلاتهم في المنازل، الأمر الذي يقلق جيرانهم".

تجدر الإشارة إلى أنّ إدارة حفظ صحة الوسط وحماية المحيط التابعة لوزارة الصحة، تتولّى من خلال نشاطاتها الصيفية المتعددة مراقبة التلوّث الضوضائي وقياس الضجيج، فيما تزوّد المصالح الجهوية المعنية بمعدّات لقياس الضجيج إلى جانب متابعة الشكاوى التي تصلها، ومدّ المصالح المختصة بالبلديات بمختلف القياسات والإجراءات، التي من شأنها التقليص والحدّ من ذلك الإزعاج الذي يقلق راحة التونسيين. وتعمد فرق المراقبة الصحية كذلك، إلى قياس مؤشّر الضجيج الصادر عن المؤسسات الحرفية المجاورة للمساكن، أو المؤسسات المعنية بالشكاوى ومدى مطابقتها للمواصفات المعمول بها.




وفي السياق يشدّد الخبراء على ضرورة الوعي في ما يخصّ الخطر الكبير الناجم عن الضوضاء، لأنّ من شأن ذلك أن يزيد من التوتّر العصبي والأرق والقلق وأن يتسبّب في ارتفاع ضغط الدم، الأمر الذي يؤثّر على صحة القلب. ويدعو هؤلاء إلى ضرورة الأخذ بالاعتبار مصادر الضجيج في أثناء إعداد المخططات المعمارية للمنشآت التي قد تتسبب في التلوّث الضوضائي، وإبعادها عن التجمّعات السكنية قدر الإمكان، كذلك لا بدّ من رسم خريطة صوتية للمدن الكبرى من أجل تقييم دقيق لأخطار الضجيج على الصحة، وإنشاء هياكل متخصصة للمراقبة والوقاية.

دلالات