أزمات ليبيا تدفع المواطنين إلى شواطئ البحر

أزمات ليبيا تدفع المواطنين إلى شواطئ البحر

27 اغسطس 2019
هرباً من الأزمات (عبد الله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -

الشواطئ وجهة طبيعية للناس في فصل الصيف، وقد قرّروا الهرب من الحرّ والحصول على بعض الترفيه. في ليبيا، مراكز الاصطياف البحرية تعوّض على المواطنين انقطاع الكهرباء كذلك وتجعلهم يبتعدون ولو قليلاً عن الأزمات.

في موسم الصيف، يقصد ليبيون كثر شواطئ البلاد الممتدة، حيث تتعدّد المنتجعات والمشاريع السياحية، لا سيّما في المناطق المجاورة للعاصمة طرابلس، عادة. واليوم، في ظلّ الأوضاع المأزومة في البلاد، تحوّلت مراكز الاصطياف تلك إلى ملاجئ تخفّف من حدّة الضغوط اليومية، فصار الوقت الذي تمضيه العائلات فيها يطول، هرباً من الأزمات المتزايدة، خصوصاً تلك المتعلقة بانقطاع الكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة.

ونقص السيولة النقدية في مقابل ارتفاع الأسعار يُعَدّ من أكبر الأزمات إلى جانب تردّي الوضع الأمني على خلفية الحرب المندلعة جنوبي طرابلس. وقد ساهم ذلك في تدهور وضع التيار الكهربائي الذي زادت ساعات انقطاعه لتبلغ 15 ساعة يومياً، بالإضافة إلى تعرّض شبكة إمداد مياه الشرب ومصدرها أقصى جنوبي البلاد إلى تهديد المسلّحين لتنقطع المياه مرّات عدّة منذ إبريل/ نيسان الماضي.

على الرغم من تكرّر الأزمات نفسها، فإنّ سلطات البلاد لم تتوصل الى حلّ يرضي المواطن الذي يتّهم حكومتَي البلاد المتصارعتَين باستغلال حاجاته الأساسية. بالنسبة إلى المواطن فوزي المشخي، فإنّ "الحرب في جنوب طرابلس باتت حجّة جديدة لدى شركة الكهرباء لتبرير انقطاع التيار الكهربائي"، مؤكداً أنّ "وضع الكهرباء سيّئ وهو على حاله منذ أربعة أعوام". وعند سؤاله عن الاحتجاجات الليلية التي شهدتها أحياء في طرابلس أخيراً، مطالبة الحكومة بتحسين أوضاع شبكة الكهرباء، يجيب المشخي "العربي الجديد" بأنّ "لا فائدة من تلك التحرّكات، فالأمر لم يعد متعلقاً بالكهرباء فحسب بل كذلك بالمياه التي زُجّت بالصراع". والمشخي الذي يمضي هذا الموسم في أحد منتجعات منطقة القربولي، المحاذية لطرابلس شرقاً، يقول: "بحكم معرفتي بتفاقم أزمة الكهرباء في كلّ موسم صيف، فقد عمدت إلى توفير بعض المال من دخلي الشهري استعداداً للإقامة مع أسرتي في المنتجع لمدّة أسبوعين". يضيف باستياء شديد: "لأسرتي الحقّ في التنعّم بالراحة وبالكهرباء وكذلك المياه".




على امتداد الطريق الساحلي في طرابلس، تنتشر مئات من مراكز الاصطياف التي تُعَدّ أقلّ درجة من المنتجعات الحديثة الشبيهة بالذي قصده المشخي والتي أنشأتها شركات سياحية. وتلك المراكز تتألّف إمّا من أكواخ مصنوعة من سعف النخيل وإمّا من خيام. يُذكر أنّ الحجز في واحد من المنتجعات الحديثة بات أمراً صعباً، ويؤكد عبد السلام سعيد، وهو موظف استقبال في أحد منتجعات مدينة الخميس الواقعة إلى شرق طرابلس، أنّ "المنتجع محجوز حتى نهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، على الرغم من التكلفة العالية نسبياً بالمقارنة مع مراكز الاصطياف الأخرى". ويوضح سعيد لـ"العربي الجديد" أنّ "منتجعنا كما هي الحال المنتجعات الحديثة الأخرى يتضمّن مولدات كهرباء لتلافي انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وهذا من الأسباب الرئيسية للإقبال على الإقامة عندنا"، مضيفاً "نحن هنا نوفّر الأمن كذلك من خلال التنسيق مع مديرية أمن المدينة التي تخصّص أفراداً للحراسة".

من جهتها، تصطحب أمّ حبيب، وهي أرملة وأمّ لخمسة أطفال من طرابلس، أسرتها إلى أحد مراكز الاصطياف المتواضعة في تاجوراء، أياماً عدّة في الأسبوع. تخبر "العربي الجديد" أنّها تنطلق من بيتها صباحاً وتعود إليه مساءً، مشيرة إلى أنّ "المصايف هنا عبارة عن شاليهات غير مخصصة للمبيت، لكنّها توفّر لنا بعضاً من الراحة بعيداً عن الحرارة المرتفعة في النهار، لا سيّما أنّ الكهرباء تغيب عن شققنا لساعات طويلة"، مشيرة إلى أنّ "قدرتنا المالية لا تمكّننا من الإقامة في المنتجعات الحديثة".

تجدر الإشارة إلى أنّ بلدية طرابلس أطلقت بالتعاون مع هيئة حماية البيئة الحكومية تحذيرات من السباحة عند شواطئ المدينة، "بسبب رصد نسبة عالية من التلوّث في عيّنات الماء المأخوذة من البحر"، وذلك بعد تحوّل بعض شواطئ طرابلس إلى "مكبّ للنفايات الصناعية ونفايات المستشفيات المباشرة ومخلفات البناء والصرف الصحي". على الرغم من ذلك، فإنّ مراكز الاصطياف على الطريق الساحلي المؤدي الى تاجوراء تعجّ بالمواطنين الهاربين من القيظ.




ويسأل المشخي في هذا الإطار: "إلى أين نلجأ في مثل هذا الطقس الحار؟ أنا على علم بتحذيرات السلطات في ما يتعلّق بالبحر، وأحاول قدر المستطاع منع أطفالي من السباحة لوقت طويل. لكنّ المواطنين في حاجة إلى البحر، فهم إلى جانب متعة السباحة، يقومون بذلك هرباً من الأزمات اليومية التي تحاصرهم". وبينما يشكو المشخي من عدم التفات السلطات إلى حال المواطن، تقول أمّ حبيب في سياق متّصل إنّ "الحرب وآثارها حوّلت المواطنين إلى نازحين من مساكنهم يلجأون إلى الشواطئ".