العمل الأهلي في ليبيا تعويض عن عجز الحكومة

العمل الأهلي في ليبيا تعويض عن عجز الحكومة

26 اغسطس 2019
مدّ المحتاجين بالطعام (ريك مادونيك/ Getty)
+ الخط -

تمكّنت جمعية "أمل" للعمل الإغاثي والخيري من تسكين 34 أسرة في أكثر من مدينة ليبية من خلال جمع تبرعات لبناء مساكن للأسر الفقيرة والمهجرة بسبب الحروب المتوالية، كما يؤكد رئيس الجمعية بلقاسم الغضبان. يضيف لـ "العربي الجديد" أنه سيبادر برفقة عدد من رؤساء الجمعيات والمنظمات الأهلية إلى إطلاق ائتلاف لعدد من الجمعيات للتنسيق لعمل جماعي أوسع في مختلف مناطق ليبيا. يقول: "العمل الخيري وإن فرض نفسه كواقع وبديل لسد العجز الحكومي إلا أنه ما زال عشوائياً ومبعثراً. وبسبب نجاحنا، عرضت علينا عشرات المنظمات الإنسانية الدولية المساعدة".

وما يصوّره الغضبان في حديثه عن إنجازات جمعيته هو مجرد جانب قليل من العمل الأهلي الخيري السائد في ليبيا، بعيداً عن الاهتمام الرسمي والإعلامي. إضافة إلى العمل على توفير مساكن للفقراء الذين هجروا من مناطقهم قسراً بسبب الحروب، يقول إن الجمعيات الأهلية الخيرية قدمت الدعم لمؤسسات دولية أيضاً، مؤكداً أن المستشفيات ولجان الأزمة التي شكلتها الحكومات لمتابعة النازحين تلقّت دعماً كبيراً من تلك الجمعيات.




يضيف الغضبان أن "لجان الأزمة التي لا يمكن حصرها بالعدد والتي تعمل في أكثر من مدينة في غرب ليبيا لمتابعة نازحي طرابلس عالة على الجمعيات الخيرية التي أصبح بعضها يعمل وفق قواعد بيانات كونتها بجهدها الذاتي، وتوزع من خلالها المساعدات". ويقول: "حالياً، لنا ارتباط بأكثر من 800 أسرة موزعة على أربع مدن في غرب ليبيا، نقدم لها المساعدات الأسبوعية والشهرية، سواء الغذاء أو المنح المالية المقطوعة. هنا، أتحدث عن جمعية أمل لوحدها، لكن هناك العشرات من الجمعيات العاملة في هذا المجال والتي تتبنّى مئات الأسر الأخرى".

ويبدو أن ثقافة العمل التطوعي التي تشهدها عدد من المدن الليبية لفتت اهتمام منظمات المجتمع المدني إلى ضرورة تأطيرها وتنظيمها. ففي منتصف العام الماضي، أطلقت مجموعة شبابية في مدينة بني وليد (شرق طرابلس) حفل إشهار لمنظمة "بصمة" للعمل الأهلي والتطوعي. ويقول منظموها إنها تهدف إلى "تنظيم العمل التطوعي والدعوة له ودمج الشباب المتطوع في أعمال منظمة في المدينة".

وليست بصمة الأولى، فقد تبنّت أكثر من أربع جمعيات أهلية مبادرة "كساء" التي أطلقها شاب بمفرده وسط ميدان رئيسي في مدينة طبرق (شرق البلاد)، لجمع الملابس المستعملة. كما تبنّى صندوق الزكاة الحكومي في زليتن، شرق طرابلس، مبادرة رجل أعمال من أجل دعم السلع الغذائية لبيعها خلال شهر رمضان للأسر الفقيرة بسعر الجملة.

وفي إبريل/ نيسان من عام 2017، تبنت أوقاف أهلية لزوايا دينية في مدينة زليتن مبادرة أهلية تتمثل في دعم مستشفى المدينة ومركز لعلاج الأورام بمبالغ مالية كبيرة، إثر إعلان الجهتين عجزهما الكلي عن مواصلة العمل، على الرغم من وعود الحكومة بميزانيات تسييرية للحيلولة دون توقفهما.

ويقول الغضبان: "بعد تعرض ملف علاج أورام الأطفال في الخارج للابتزاز والسرقات، وتعرّض أهالي أطفال مدن عدة للطرد، نادت جمعية أهلية لتأسيس مصحّ لعلاج أورام الأطفال، واحدة في مدينة البيضاء على بعد كيلومترات قليلة من مقر الحكومة في شرق البلاد"، مشيراً إلى أن المساعي الأهلية قطعت خطوات مهمة في هذا الاتجاه. يتابع: "الأمر لم يقتصر على دعم القطاع الصحي، إذ إن التعليم أيضاً هدف العمل الأهلي. وانتهى العمل من بناء مدرسة في منطقة التميمي، ويعمل الآن على صيانة المدارس من خلال جمع التبرعات". ويلفت إلى أن أوقاف الزوايا الدينية في مدينة زليتن قدمت قبل عامين دعماً لشراء لوازم إدارة الامتحانات في وزارة التعليم، عندما عجزت عن توفير القرطاسية والأوراق وغيرها لتسيير عملها.

أما جمعية إنسان الأهلية، فقد قدمت مساعدات للشباب المقبلين على الزواج. ويقول رئيسها مصطفى بن رابعة إنها قدمت مساعدة لـ 124 شاباً و12 فتاة من الفقراء الذين تجاوز عمرهم الثلاثين، ولم يستطيعوا الزواج لصعوبة أوضاعهم المعيشية، وذلك من خلال مساعدات مالية أو عينية كالأثاث والأجهزة المنزلية. ويؤكد بن رابعة أن جمعيته أمّنت فرص العمل للشباب، من خلال تدريب 71 شاباً على صناعة أبواب الألومينيوم خلال أربع دورات.

من جهته، يشير عضو جمعية تغسات الخيرية إدريس أمقيق، إلى أن العمل الخيري والإغاثي في ليبيا مستمر بدعم من المجتمع، وإن كانت هناك عوائق قانونية يمكن أن تهدّد وجوده وتحد من نشاطه. ويوضح أن النشاط الأهلي يندرج حالياً ضمن قانون مؤسسات المجتمع المدني، وهو قانون شامل لا يفصل بنود وصلاحيات ومجالات العمل داخله، ما جعله عرضة للاستغلال. ويلفت إلى وجود جمعيات تعمل اسمياً فقط، وتستفيد من الدعم الدولي الإنساني الذي يصل إلى المنظمات الأهلية من دون أن تشترك فعلياً في إيصاله إلى المستحقين.




ويتحدث أمقيق عن وجود شبهات أثارها بعض المهتمين على مواقع التواصل الاجتماعي، تشير إلى ارتباط مؤسسات مجتمع مدني تعمل في مجالات الإغاثة بجهات خارجية لها أجندات سياسية في البلاد. ويقول: "يتوجّب على الحكومة التي تعلم جيداً الدور الأهلي الذي سد غيابها في البلاد، العمل من أجل تقنين العمل الأهلي ووضع ضوابط للمراقبة الشديدة على أعمالها حتى لا يشوه الدور المجتمعي". أمقيق يبيّن أيضاً أن أياً من الجمعيات والمنظمات الأهلية العاملة في الحقل الإنساني لا تحصل على الدعم من الحكومة. يضيف أن "دورها تطوعي، لذلك لا تطلب دعماً من الحكومة. لكن على الأقل، تتوفر لها مقرات. بعضها يعمل في مقرات خاصة يوفرها أهل الخير، قد تكون بيوتاً لا ترى على واجهتها لافتات رسمية، علماً أن عشرات المقار العامة خالية تتبع المليشيات المتنفذة والمنتشرة في البلاد".