نساء تل الرميدة: معاناة من الاحتلال على مدار الساعة

نساء تل الرميدة: معاناة من الاحتلال على مدار الساعة

21 اغسطس 2019
مواجهة يومية مع المحتل (جعفر اشتيه/ فرانس برس)
+ الخط -
تعيش نساء محلة تل الرميدة، غربي الخليل القديمة، في جنوب الضفة الغربية، حياتهن في توتر يومي سببه مواجهة اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ 32 عاماً. على مساحة كيلومتر مربع واحد تعيش أكثر من 160 عائلة، معظمها من النساء. وجدان البايض زيادة (52 عاماً) ولدت في شارع الشهداء في البلدة القديمة من الخليل وهو شارع مغلق منذ 20 عاماً، لكنّها تناضل لتربية أبنائها الستة في غياب زوجها المتوفى، في ظل سطوة استيطانية تواجهها وجدان، إذ إنّ مستوطني "رماتيشاي" المقامة على أراضي تل الرميدة لا يتركونها بحالها. تقول لـ"العربي الجديد": "لا أمان في تل الرميدة، ثلاث كاميرات مثبتة على منزلي، وينكل الاحتلال بأولادي، ويضيّق علينا في كلّ تحركاتنا اليومية، أما مستوطنوه فإنّهم يسرقون ثمار أشجار الزيتون حينما أقطفها، ويرشقون منزلي بالحجارة، ويشتموننا باستمرار".

لم تشعر وجدان بأجواء الفرح كأيّ عروس عندما تزوجت؛ ففي العام 1987 (الانتفاضة الأولى)، أقامت عائلة وجدان حفل زفافها بالرغم من منع الاحتلال التجول في المنطقة، وسارت بثوب زفافها الأبيض عبر الحاجز العسكري الإسرائيلي حينما عادت من صالون التجميل وصولاً إلى منزل والدها قبل أن يأتي عريسها ليصطحبها.

قبل عام ونصف العام، حاول اثنان من أبناء وجدان وهما عمار وعمر في أوائل العشرينيات من العمر، إصلاح موتور (محرك) الماء، وبالرغم من معرفة جنود الاحتلال بماهيته، أصروا على اعتقالهما والتنكيل بهما، لكنّ الأم لم تحتمل المشهد، إذ تقول: "حينها أمسكت ابني عمر بيد وعمار بيد وقلت للجندي: لن أترك أولادي هنا للضرب والتعذيب... مستحيل مستحيل، ونجحت بالفعل في إرجاعهما إلى المنزل". لكنّ وجدان تعبت من هذا الوضع، فهي تخشى على أولادها من مكر المستوطنين الذين يتحركون بحرّيّة في المكان، وهو خوف يتضاعف إذا كان أبناؤها عائدين من العمل في وقت متأخر من الليل.



حتى الطبخ، غير ميسّر لنساء تل الرميدة، إذ توضح وجدان أن "كلّ احتياجات منزلي تدخل عبر الحواجز بصعوبة، من أسطوانة الغاز إلى أيّ قطعة أثاث، ولا متاجر في محلتنا. أنا مريضة قلب وأتعب من حمل الأغراض من الحاجز إلى منزلي والمشي مسافة كيلومتر، وأحياناً ندخل إلى الحاجز عبر رقم مرتبط ببطاقتنا الشخصية". فقدت وجدان زيادة شقيقيها في مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994 وما زال استشهادهما يوجع قلبها المتعب، لكن بالرغم من التعب، تصرّ على المواجهة والتحدي أكثر، فقد انضمت إلى مجموعة "شباب ضد الاستيطان" وهي فاعلة في الخليل ضد اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، ولا يبعد مقرها الذي يرفرف عليه العلم الفلسطيني عن منزلها سوى 50 متراً.

انتظارات لا تنتهي عند حاجز تل الرميدة (العربي الجديد) 


كذلك، تصرّ والدة وجدان الحاجة وضحة البايض (85 عاماً) على عدم ترك منزلها في شارع الشهداء بالرغم من الضغوط اليومية الهائلة طوال تلك السنوات. تقول لـ"العربي الجديد": "يرشق المستوطنون منزلي، وحينما أنزل إلى الشارع يتعرض لي أولادهم. بناتي وأبنائي الخمسة لم يتمكنوا من زيارتي قبل عامين بسبب اعتداءات الاحتلال، ويعيش معي فقط ابني زهير وزوجته وأولاده الستة، وأؤكد أنّي لن أترك منزلي للمستوطنين". توضح الحاجة البايض أنّ ابنتها زهية تركت وزوجها محمود منزلهما في تل الرميدة بسبب اعتداءات المستوطنين، إذ ضربوا محمود في إحدى المرات ضرباً شديداً طوال ثلاث ساعات. ويمنع الاحتلال دخول المركبات العامة والخاصة وحتى سيارات الإسعاف إلى تل الرميدة، ويسلك الفلسطينيون طرقات بديلة بين البيوت، وهو ما أدى إلى وفاة زوج الحاجة وضحة، محمود البايض قبل بضع سنوات، إذ أخّر جنود الاحتلال على الحاجز دخول مركبة الإسعاف لإنقاذه. وحتى صديقات الحاجة وضحة البايض لا يزرنها بالرغم من مرضها، خشية على أرواحهن، فقد استشهد في المنطقة مؤخراً 22 فلسطينياً.



تحلم الفتاة نداء أبو هيكل (15 عاماً) أن تقضي وقتاً أطول مع صديقاتها القليلات في تل الرميدة، فالتنزه محفوف بالمخاطر، وحتى الخروج إلى سوق المدينة عبر الحاجز العسكري الإسرائيلي محكوم بالخوف. تقول نداء لـ"العربي الجديد": "عندما أجلس مع صديقاتي، نحكي عن أمنياتنا البسيطة في الذهاب للمشاوير بحرّيّة بعيداً عن تضييق جنود الاحتلال واعتداء المستوطنين، وعدم اعتقال أشقائنا، والتحرك من دون أهلنا الذين يرافقوننا حرصاً علينا من الاحتلال".

فقدت جنات العزة (27 عاماً) عمها إثر استنشاقه الغاز الذي أطلقه جنود الاحتلال قبل أربع سنوات، وأثر ذلك كثيراً في وضعها النفسي، كما لم تتمكن من نسيان مشهد أخيها الذي حاولت مُستوطِنة متطرفة قتله بحجر، وهو في طريق عودته من المدرسة. واجهت جنات وهي أم لثلاث بنات، عندما كانت تلميذة، المستوطن المتطرف باروخ بارزيل، عندما حاول منعها بالسلاح من الوصول إلى مدرستها خارج تل الرميدة. تقول لـ"العربي الجديد": "فليفهم باروخ أنّ هذه الأرض ليست له بل لنا".

المساهمون