شبان ليبيون يعانون بطالة مقنعة

شبان ليبيون يعانون بطالة مقنعة

15 اغسطس 2019
هل وجد جميعهم عملا؟ (عبد الله دوما/ فرانس برس)
+ الخط -

تتضارب الإحصائيات الرسمية الحكومية المتعلقة بنسب البطالة في ليبيا. ففي وقت أشار مركز المعلومات والتوثيق لدى وزارة العمل والتأهيل التابع لحكومة الوفاق، مطلع العام الماضي، إلى أن النسبة لا تتجاوز 6%، قال وزير العمل نفسه المهدي الأمين في تصريح صحافي منتصف العام الماضي إن النسبة وصلت إلى 15%.

لكن صندوق النقد الدولي أكد في تقريره حول الاندماج الاقتصادي في المغرب العربي، الصادر في فبراير/ شباط الماضي، أن نسبة البطالة بين الشباب في ليبيا بلغت 45.2%، بينما بلغ مستوى البطالة العام 18.7%، وهي النسبة التي يوافق عليها عمر فنوش، أستاذ الاقتصاد في جامعة قاريونس في بنغازي. ويرى فنوش أن أرقام المنظمة الدولية تعتمد على الإحصائيات الرسمية التي تحصل عليها من مصادرها بشكل وثيق، في وقت يغيب عنها جانب آخر للبطالة وهو البطالة الإجبارية أو المقنعة. ويعترف فنوش بصعوبة تحديد نسبة البطالة الحقيقية في ليبيا بسبب الانقسام الإداري والسياسي الذي تعيشه البلاد. ويقول: "هناك أكثر من 400 ألف شاب وظفوا بقرارات رسمية من حكومات البلاد العديدة بشكل عشوائي، ويتقاضون رواتب شهرية من دون توفر عمل في القطاع الذي وظفوا فيه"، مشيراً إلى فساد كبير في منظومة الرقم الوطني. وتكشف تصريحات مسؤولين عن تقاضي مواطن عشرة رواتب في وقت واحد.

ويرى فنوش أن البطالة مرتبطة بالخلل في المعاهد والجامعات، والبعد عن متطلبات سوق العمل، والتركيز في مؤسسات التعليم على الكم دون النوع. لكنه يشير من جهة أخرى إلى غياب ثقافة العمل. ويبين أن ثقافة المجتمع لها علاقة وثيقة بثقافة العمل، قائلاً إن "عشرات الشباب ينخرطون تلقائياً في عمل تطوعي تدعو له جمعية خيرية لتنظيف شارع، لكنهم يرفضون العمل بشكل رسمي في شركة نظافة حكومية".

وفي سوق القزدارة، وهو سوق شعبي مخصص لصناعة الأواني النحاسية في طرابلس، يتعلم فراس شفتر مهنة والده ولا يرى فيها ضيراً. لكنه دعا أصدقاء له لتعلم المهنة فرفضوا لأنها لا تناسب أوضاعهم الاجتماعية على الرغم من أنهم عاطلون من العمل وفي انتظار التعيين الحكومي.




من جهته، نجح عصام الجليدي، وهو شاب من طرابلس في الثلاثين من عمره، في تكوين مجموعة تضم شقيقيه وابن عمه للعمل في مجال الحفر وديكور الجبس. يقول: "رفضت أسرتي أن يعمل شقيقي في أحد المقاهي براتب يزيد عن 2000 دينار شهرياً، وأجبرته على العمل معي في مقابل شهري لا يزيد عن 1000 دينار، لافتاً إلى أن العرف الاجتماعي يقلّل من قيمة القهوجي. ويشرح أن "عمله معي يعني أنه لا يعمل تحت سلطة غريب". أسباب دفعت عثمان ابن عم عصام للعمل معه. يضيف: "لا يرغب في الاستمرار في هذا العمل على الرغم من عدم وجود عارض اجتماعي، لكنه يتركه إثر صدور تعيينه الحكومي. فالعمل المكتبي أسهل بكثير على الرغم من أن راتبه الشهري أقل من العمل في الديكورات والجبس".

ويؤكد فنوش أن عشرات الأعمال اليدوية والحرف الخاصة مثل ورش إصلاح السيارات أو ما يشابهها تعاني توقفاً في بعض الأحيان بسبب نقص العمالة الأجنبية. ويقول: "في خضم أزمة الهجرة غير الشرعية، قررت الحكومية تسوية أوضاع العمالة الأجنبية ما دفع بالكثير من العمالة للهجرة بسبب صعوبة الإجراءات نهاية العام الماضي. في ذلك الوقت، توقفت العديد من الورش، مبيناً أن ذلك مؤشر آخر على غياب ثقافة العمل بين الشباب الليبي. ويرى فنوش أن عامل ثقافة العمل الذي يسبب بطالة إجبارية يمكن التغلب عليه من خلال إجراءات حكومية مثل إيجاد سوق حر ودعم القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة وغيرها، ما يدفع الشباب إلى توفير فرص في قطاعات خاصة بهم، ولو بشكل جماعي.

وداخل مركز الظهرة للتدريب والتطوير وهو مؤسسة خاصة، يتواجد نحو 13 شاباً ليبياً ضمن دورة تعلم صيانة الهواتف النقالة. ويقول مدير المركز فيصل موسى: "الاقبال على تعلم الحرف والمهن الخاصة كبير والدليل انتشار مراكز التدريب"، مؤكداً وجود رغبة في تعلم هذه المهن. ويؤشر ذلك إلى تغير نسبي في ثقافة العمل لدى الشباب، بحسب موسى. يضيف مدير المركز أنه يعلم جيداً عدم رغبة الشاب الليبي في العمل تحت إشراف آخرين، أو أن يكونوا أجراء. لكن في ذلك الوقت، يرى أن عدم توفر رأس مال لدى الشاب لفتح محل لصيانة هواتف نقالة مثلاً عائق يجب أن تعمل على تجاوزه الجهات الحكومية من خلال منح قروض مصرفية لتأسيس مشاريع صغرى.




ويلفت موسى إلى وجود كفاءات شبابية يمكن أن تغطي احتياجات الشركات الحكومية. ويقول: "بدلاً من الإعلان عن قبول عاملين بشهادات عليا يتوجب عليهم فتح المجال للمهنيين، خصوصاً أن أصحاب الشهادات العليا كثيراً ما تكون خبرتهم العملية ضعيفة جداً". كما يطالب بضرورة العمل على الحد من عقلية الشاب المتأخرة نتيجة التقاليد والأعراف، ورفض العمل كأجير، والبحث عن عمل مريح بعيداً عن الأعمال الميدانية. ويؤكد أن الحلول كثيرة ويمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى نجحت في القضاء على البطالة المقنعة.

دلالات

المساهمون