النرويج: هجوم مسلح على مسجد عشية عيد الأضحى

النرويج: هجوم مسلح على مسجد عشية الأضحى...والمسلمون يطالبون بضبط خطاب الكراهية

11 اغسطس 2019
المسجد المستهدف في بيروم في أوسلو (تيرجيه بيدرسن/فرانس برس)
+ الخط -


ربطت الأنباء والتحليلات الواردة صباح اليوم، الأحد، الهجوم المسلح الذي نفذه شاب نرويجي عشية عيد الأضحى، أمس السبت، على مسجد النور، غرب العاصمة أوسلو، بصلات المعتدي بشبكة أوروبية لليمين المتطرف، وبارتباط الجريمة بخطاب الكراهية ضد المسلمين، دون رادع جدي وحاسم من قبل سلطات الأمن في البلاد.

وإن كانت التصريحات السياسية بعد الهجوم الذي أدى إلى جرح أحد المصلين ونجح رجل سبعيني في إفشاله، وتكثيف انتشار قوات الأمن في محيط المساجد بمناسبة الأضحى، غير مطمئنة بالقدر الكافي، إلا أن المسلمين في النرويج والدول الإسكندنافية عموماً احتفلوا صباح اليوم بعيد الأضحى.

وعجت المساجد والمراكز والمصليات بالمصلين، وتبادل الناس التهاني بالعيد، وسلطت وسائل الإعلام المحلية الأضواء عليه، كما نقلت نشراتها مشاهد من مكة لتعريف الناس بالعيد، ومناسك الحج.

هجوم "إرهابي"؟

واقتحم مسلح نرويجي (20 عاماً)، أمس السبت، مسجد النور في بيروم، غرب العاصمة أوسلو، وبدأ بإطلاق النار عشوائياً من سلاحين يحملهما. كان المصلون قد أنهوا صلاتهم وغادر أغلبهم.

لم يكن في المسجد وقت الهجوم سوى بضعة أفراد، وتمكن المسلح من إطلاق 20 طلقة، وفقا لتصريحات الشرطة ومسؤولي المسجد، اليوم الأحد. وأثناء انشغال المهاجم بسلاحيه أمسك به مسن في الـ75 من العمر وتعاركا معاً بشدة، ففقد المهاجم السيطرة على السلاح مع تدخل ثلاثة أشخاص آخرين وتمكنوا من السيطرة عليه حتى حضور عناصر الشرطة.. وأدى العراك إلى إصابة العجوز بنزيف في الوجه.

واتضح من مصادر شرطية ومسلمة، اليوم الأحد، أن "مذبحة كان مخططا لها أن تقع في مسجد النور". وما يزيد الأمر تعقيدا أن الشرطة النرويجية، التي نشرت المزيد من قواتها لـ"حماية العيد"، منذ ليل أمس، العثور مساء السبت، أثناء تفتيش منزل المعتدي العشريني على "شابة مقتولة في المنزل وتربطها علاقة أسرية بالمعتدي على المسجد"، دون توضيحات إضافية من الشرطة، التي تبحث "عن صلات الشاب، للتأكد مما إذا كان هجومه جزءا من شبكة أوسع على الإنترنت أم تصرف بمفرده".

"شبكة" لليمين المتطرف

ونقلت صحيفة "في غي" النرويجية عن الشرطة، اليوم الأحد، قولها إن "الشاب كان يرتاد مواقع اليمين المتطرف على الإنترنت"، دون تحديدها لتلك المواقع، لكنها أشارت إلى أن المعتدي كان على تواصل قبل الرابعة من عصر أمس مع أطراف على الشبكة.

وكشفت الشرطة أن مهاجم المسجد "استلهم عمله من هجوم إل باسو في تكساس قبل أيام، إذ إنه احتفى بالهجوم وكتب مهنئا المهاجم، كما سبق له أن علق على هجوم المسجدين في نيوزيلندا بتسمية الإرهابي برنتون تارانت بـ"القديس تارانت"، بحسب ما ذكرت "في غي" اليوم الأحد.

وعززت تلك الأنباء مخاوف المسلمين بأن الأمر "جزء من شبكة يمين متطرف عنيف يحاول استهداف المسلمين في أوروبا"، بحسب "المركز الإسلامي النرويجي".

وأوضح مصدر خاص قريب من مسجد النور لـ"العربي الجديد"، أنه ربما "ظن الشاب أن المسجد يعج بنحو ألف مصل (وهي سعته الحقيقية)، وربما دخل وهو يطلق النار دون أن ينتبه إلى أنه أخطأ موعد الصلاة التي يشارك فيها مصلون كثر".

وبيّن المصدر أيضاً أن "مشكلة عميقة تجري الآن مناقشتها داخل الشرطة النرويجية، لأنها للأسف لم تستجب للاتصال الطارئ (ولديها تسجيل الاتصال) حين اتصل أحد الإخوة ليخبر عن هجوم إرهابي يقع في المسجد، متعللة بأن المتصل كان يتحدث بلغة نرويجية ركيكة، فلم تتحرك سريعا أو تأخذ الاتصال على محمل الجدّ، إلا بعد تلقيها اتصالات أخرى وبعد سيطرة رجل سبعيني على المهاجم بانتظار الأمن".

وكشفت المعلومات المتداولة صباح اليوم الأحد، أن "الشاب المهاجم معروف لدى الشرطة النرويجية، وإنها لم تشر إلى طبيعة الجرائم أو الشكوك التي حامت حوله، إلا أنه في ما يبدو يتعلق بتطرف يميني، إلا أن جهازي الشرطة والاستخبارات يعيشان الآن أحجية كبيرة لمعرفة أسباب قتله شابة قريبة له قبل توجهه لارتكاب مذبحة مفترضة في مسجد النور".​

المجلس الإسلامي في النرويج

وأعرب المجلس الإسلامي في النرويج، صباح اليوم الأحد، عن اعتقاده بأن ما جرى في مسجد مركز النور "ما هو إلا نتاج زمن طويل من ترك الكراهية ضد مسلمي البلد، والسلطات لم تأخذ الأمور بجدية كافية في السابق".

ورأى مدير المركز عبد الرحمن ديرية، في بيان صحافي، أن "المجتمع المسلم في النرويج متأثر بما جرى أمس والناس في حالة صدمة"، مؤكداً أن "حادثة المسجد هي حدث إرهابي مثلما هي حادثة القتل في مسجدي نيوزيلندا، ورغم أن الشرطة لا تقول الكثير، إلا أن الإرهاب هو الوصف لعملية إطلاق النار في المسجد".

وعبر المجلس عن شكره للانتشار الشرطي السريع حول المساجد في النرويج، داعياً المسلمين وغير المسلمين للوقوف ضد هذه الأعمال، ومختتما بيانه بالقول "على السلطات (النرويجية) الآن أن تأخذ مسألة انتشار الكراهية ضد المسلمين بجدية".

استنكار سياسي

على المستوى السياسي، عبرت رئيسة الوزراء، من حزب اليمين، إيرنا سولبيرغ، بعد منتصف ليل أمس السبت، عن تضامنها مع الذين كانوا في المسجد وقت الهجوم، معتبرة أنه "من المبكر الحديث عن الأسباب والدوافع". لكن هذا التصريح لم يطمئن مسلمي النرويج الذين يتحضرون لعيد الأضحى.

وذكرت سولبيرغ في تصريحاتها، أنه "يجب أن يشعر الناس في النرويج بأمان لارتياد المساجد والكنائس وأداء العبادات". وأكدت في الوقت نفسه ضرورة ترك الأمن يقوم بمهامه لمعرفة أسباب الهجوم ودوافع المهاجم، لافتة إلى أن "جهاز الاستخبارات النرويجي أصبح جزءا من التحقيق الجاري".

زعيم حزب العمل، يسار وسط، يوناس غار ستورا، رأى أيضا أن "الوقائع الدارمية بإطلاق النار في المسجد، وبغض النظر عن دوافعه وأسبابه، يشيع عدم الأمان لدى المسلمين الذين يتحضرون للعيد، ونحن نفكر بهم ونعبر عن تضامننا معهم (مسلمي النرويج)".

هجمات ضد مساجد

يعتبر الهجوم المسلح على مسجد النور، أمس، الأول منذ أكثر من 30 عاماً، على يد شخص من أصل نرويجي. ففي 14 يوليو/تموز 1985 انفجرت قنبلة في مسجد النور في منطقة فروغنر في العاصمة أوسلو. واعتقلت الشرطة النرويجية آنذاك شابا في التاسعة عشرة من عمره.

وشهدت الأعوام الأخيرة عددا من الهجمات العنيفة ضد مساجد في الغرب. ورغم أن أقساها كان هجوم "كرايستشيرش" في نيوزيلندا، بأكثر من 50 قتيلا وعشرات المصابين بإطلاق نار بالطريقة نفسها التي حدثت أمس بالقرب من أوسلو.

كما وقع هجوم على مسجد في كيبيك في كندا عام 2017، قتل من جرائه 6 أشخاص وجرح 35 من المصلين، ونفذ الهجوم رجل متعاطف مع التطرف العرقي الأبيض. وفي العام نفسه نفذ شخص بريطاني هجوماً بدهس مصلين خارج مسجد فينسبيري بارك في لندن، وقتل شخصاً وجرح 9 آخرين، وحكم على الجاني بالسجن 43 عاماً.

وشهدت السويد عدداً من الهجمات على المساجد، ومن بينها احتراق مسجد الإمام علي في استوكهولم عام 2017. وفي يناير/كانون الثاني من العام الماضي، 2018، وقع إطلاق نار باتجاه مسجد في مالمو، جنوبي البلد. كما وقعت هجمات كانت أقل وقعا في نتائجها على مساجد في الدنمارك وألمانيا.

المساهمون