سوريو إسطنبول... حملة للدفاع عن اللاجئين والأتراك

سوريو إسطنبول... حملة للدفاع عن اللاجئين والأتراك

09 يوليو 2019
تعامل معظم الأتراك مع السوريين لم يتغير (العربي الجديد)
+ الخط -

لا يفسر حملات الكراهية ضد السوريين في إسطنبول غير قول أحد الخبراء إنّ قلة من الأتراك تقف وراءها بينما موقف عموم الشعب واضح في التعامل الإنساني مع اللاجئين. هكذا يسعى الطرفان لتصحيح الالتباس

"شكراً تركيا... الشعب التركي طيب وليس عنصرياً" بهاتين العبارتين ومثيلاتهما، ردّ ناشطون سوريون في تركيا على حملات التحريض والعنصرية التي يؤججها بعض الأتراك، بعد ما سميّ بأحداث شارع محمد عاطف بمنطقة اكتيلي بإسطنبول قبل أيام، والتي تبيّن بعد التحقيقات، أنّها اتصال من محرّض ولا أساس حتى لحادثة التحرش التي قيل إنّ بطلها طفل سوري (12 سنة) تحرش لفظياً بطفلة تركية (12 سنة) ولم يتقدم أهل الطفلة التي قيل إنّها تعرضت للتحرّش، بأيّ بلاغ أو شكوى حتى.

حملات
يؤكد مدير الرابطة السورية لحقوق اللاجئين في تركيا، مضر حماد الأسعد، أنّ الرابطة، كتجمع مدني اجتماعي، أحست منذ سنوات، بمساعي بعض الأحزاب التركية المعارضة، لبثّ الفتنة وتحميل السوريين في تركيا، ممن لا ذنب لهم فيه، سواء عبر الجرائم أو ارتفاع نسب البطالة أو ما يقال عن سلوكيات لا أخلاقية لا تتناسب وعادات المجتمع التركي. يضيف الأسعد لـ"العربي الجديد": "وبذلك، لم نتوقف عن الزيارات الميدانية للولايات التي استضافت سوريين، وهي كلّس، وعينتاب، وهاطاي، وماردين. التقينا بالولاة والمسؤولين، فضلاً عن تنظيم ندوات وملتقيات سورية وأخرى مشتركة مع الأتراك، كان آخرها الثلاثاء الماضي في رأس العين بأورفة". يشير الأسعد إلى أنّ الرابطة وبعد أحداث إسطنبول الأخيرة، أوعزت للعديد من كوادرها والناشطين السوريين البارزين، لبثّ مقاطع فيديو باللغة التركية، يشكرون فيها الشعب التركي، ويؤكدون على روابط الأخوة والصداقة، وأنّ الأتراك وقفوا إلى جانب السوريين خلال محنتهم، بالإضافة إلى النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة الحملات العنصرية لبعض الأتراك.




بدورها، تقول مديرة فريق "اللمة السورية" هند عقيل: "وجهنا الشباب لمواجهة حملات الكراهية التي قادتها قلة من تركيا، عبر حملات شكر ومحبة وعرفان لما قدمته تركيا للشعب السوري، ونشرنا توضيحات ومقاطع مسجلة توضح افتراء البعض على السوريين، خصوصاً بعد أحداث إسطنبول الأخيرة التي أكدت التحقيقات زيفها". تؤكد عقيل لـ"العربي الجديد" أنّ من المؤسف، أنّ "بعض الأتراك، يزجون السوريين كورقة قبل وخلال أيّ انتخابات، ويحمّلون اللاجئين أسباب ما يعاني بعضهم من فقر وبطالة، بل شاهدنا خلال الحملات الأخيرة، تحريضاً على الكراهية ودعوات لطرد السوريين من تركيا، مع العلم أنّنا لا ننكر إساءة بعض السوريين، لكنّ المشكلة هي في التعميم وتحميل السوريين أسباب المشاكل وتطور الحالة إلى بثّ الفتنة وتأجيج الكراهية".

تشير عقيل إلى أنّ الدولة التركية "واجهت تلك الحملات التي لا تعبّر أصلاً عن الرأي الرسمي أو حتى غالبية الشعب التركي الذي لمسنا منه عبر ثماني سنوات، كلّ المحبة والترحيب وحسن التعامل والضيافة. وتختم عقيل: "لا يمكننا كسوريين نكران أنّ الشعب التركي فتح منازله للاجئين السوريين وقدم لهم المساعدة والتسهيلات في فتح المصالح، والاستثمارات التي وصلت قيمتها إلى نحو 3 مليارات دولار أميركي، والتي أمنت أكثر من 120 ألف فرصة عمل. في المقابل، يجب ألاّ ينسى من يقود الحملات الإلكترونية والواقعية، أنّ السوريين ليسوا سبباً في الجريمة أو البطالة، بل أحدثوا لتركيا وفيها، نقلات على مستويات الثقافة والتعليم والاستثمار والرياضة".



لماذا إسطنبول؟
يرى كثيرون أنّ لإسطنبول خصوصية لدى الأتراك جميعهم، ووجود نحو 700 ألف سوري يقطنون فيها، زاد من عوامل التحريض والحساسية، خصوصاً أنّ شوارع بأكملها، يقطنها سوريون ويديرون الحياة التجارية في معظمها، كحيّ الفاتح، وشارع الأمنيات بأكسراي الذي سبق واستغلته مرشحة حزب "الجيّد" إيلاي أكسوي، خلال انتخابات إسطنبول بعبارتها "لن أسلّم حي الفاتح للسوريين".

وجد بعض ممثلي الأحزاب سبباً إضافياً لتأجيج الحملة على السوريين، خصوصاً بعد حادثة التحرش المزعومة، إذ نشرت أكسوي: "تمّ التحرّش بطفلة تركية في منطقة إيكيتيلّي من قبل رجل سوري، والمواطنون توافدوا إلى الشارع للتعبير عن رفضهم. على حزب العدالة والتنمية أن يعرف أنّ السياسة التي انتهجها في ما يخص سورية خاطئة، وعليه كحزب أن يعود من هذا الطريق قبل أن تكون الأضرار أكبر".




وجاء الرد من مسؤولين أتراك على تلك الحملات، إذ دعا النائب في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية في ولاية هاطاي، عبد القادر أوزيل إلى محاسبة النائب السابق لزعيمة حزب "الجيد" ميرال أكشنار، أوميت أوزداغ، والباحث والكاتب التركي سنان أوغان الذي يُعرف أيضاً بمعاداته السوريين، ونشرهم إلى جانب أكسوي، تغريدات محرّضة تستهدف السوريين. وأتت تلك الردود خصوصاً بعد تقرير من مديرية الأمن عن مجموعة على تطبيق "واتساب"، مؤلفة من 58 شخصاً، ساهم 13 من بينهم في زيادة نسبة التوتر بسبب التحريض والإشاعات التي بدأوا بنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد استطاعت الشرطة الإمساك بـ11 شخصاً حتى الآن، وما زال العمل مستمراً لإلقاء القبض على البقية.

أما رئيس بلدية إسطنبول الجديد، أكرم إمام أوغلو، فقد دعا في أول تصريح حول أحداث إسطنبول إلى "التعاطي مع اللاجئين السوريين في إسطنبول من الزاوية الإنسانية وليس الأمنية". وأضاف أنّ الذين يتعمدون إحداث القلاقل في تركيا معروفون إلى أيّ جهة سورية ينتمون، وهؤلاء من يتوجب ترحيلهم، كما أنّ حادثة الاغتصاب التي أشعلت الصدام بين الأتراك والسوريين وتسببت بتحطيم محلات السوريين ليس لها أيّ أساس من الصحة، وأثبتت أجهزة الأمن أنّها لم تقع. لكنّ إمام أوغلو، بدّل من تصريحاته قليلاً بعدها، إذ أشار إلى كثرة العرب، في إسطنبول: "أدخل بعض الأحياء في إسطنبول ولا أستطيع قراءة لوحات المحلات التجارية... هل هنا إسطنبول، وهل هنا تركيا؟". وتابع: "هناك بعض المدن والأحياء بات فيها عدد الأجانب أكثر من عدد الأتراك، هذا شيء لا تقبله أيّ دولة في العالم". أضاف أنّ "السائحين العرب يأتون بكثافة إلى منطقة تقسيم، وقد افتتحت هناك محلات كثيرة للعرب. ثقافة إسطنبول تختفي وعلينا أن نحمي هوية المدينة". تجدر الإشارة إلى أنّ البلدية منحت التجار العرب، الأسبوع الماضي، مهلة زمنية لتبديل اللوحات الدعائية لمحلاتهم التجارية إلى اللغة التركية، على أن تكون نسبة 75 في المائة من اللوحة بالتركية و25 في المائة بالعربية.



طمأنة السوريين
يؤكد رئيس تجمع المحامين السوريين بتركيا، غزوان قرنفل، أنّ السوريين في تركيا موجودون وفق قانون الحماية المؤقتة، وليس لأيّ شخص أن يطردهم تعسفاً ما دامت بلادهم تعاني من الحرب، مؤكداً أنّ تركيا دولة عدالة وقانون ومؤسسات وقضاء، وكلّ من يخالف القانون ويعتدي على السوريين سيحاسب كائناً من كان. يضيف قرنفل لـ"العربي الجديد": "ثمة أخطاء يرتكبها سوريون لا شك، لكنّ ذلك لا يعطي مبرراً لتحميل السوريين جميعاً وزر المرحلة وتجاهل ما قدموه لتركيا، أو تناسي سياسة الدولة التركية المحتضنة لهم".

وكان نائب وزير الداخلية التركي إسماعيل تشاتاكلي، قد طمأن السوريين بقوله: "لن يرغم أحد من السوريين على العودة إجبارياً إلى سورية، كما أنّ الدول الأوروبية أو الدول المجاورة التي لجأ إليها السوريون، لا ترغمهم على العودة". وأضاف تشاتاكلي: "لا يتمتع أحد بحرية ارتكاب جرائم في بلادنا، وهو ما ينطبق على السوريين وعلى مواطنينا أيضاً. يجري إنهاء حق الإقامة القانونية عبر إلغاء صفة الحماية المؤقتة عن السوريين الذين يرتكبون جرائم في مواضيع هامة على وجه الخصوص، وإعادتهم إلى بلادهم".

يعتبر الباحث المتخصص في الشؤون التركية، سعيد الحاج، أنّ "ما يجري أحياناً، هو منحى مستمر منذ سنوات ويتجه إلى الحدة والاحتقان أكثر فأكثر "لكنّني لا أتفق مع الخطاب الذي يبالغ في التهويل والتخويف، فضلاً عن الخطاب المسيء لتركيا والأتراك والذي لا يقلّ عنصرية عما نتحدث عنه، إذ ما زال ممكناً احتواء الأمر وتوجيهه في الطريق الصحيح، إن صحت النوايا وصح العمل، من الجميع". يقول الحاج لـ"العربي الجديد": "قبل التطرق للحلول لا بد من التعريج على أنّ خطاب الكراهية و/أو العنصرية لا يُسحب على الأكثرية في تركيا، بل هم أقلية، لكنّها أقلية ذات صوت وضجيج أعلى، وهي قادرة على افتعال المشاكل".

يتابع أنّ انتشار خطاب الكراهية والتحريض خطر على السوريين كما على السلم المجتمعي والأمن في تركيا نفسها، مشيراً إلى أنّ ذلك الخطاب ينتشر، ليس فقط على صعيد الاحتكاك بين السوريين والأتراك، بل أيضاً على الصعيد التركي الداخلي "خطاب الكراهية ليس موجهاً ضد طرف بعينه بشكل ثابت ومستمر، إنّما هو شعور استعلاء ذاتي يبحث عن آخر، وحين ينتهي من هذا الآخر - بل قبل ذلك - سيجد له أهدافاً أخرى أكثر قرباً له".




وحول رؤيته للحلول، يقول الحاج: "هناك مسؤوليات على المؤسسات السورية المختلفة، السياسية والاجتماعية والثقافية، برفع مستوى الوعي لدى السوريين بالمشكلة ومخاطرها المستقبلية المحتملة، وبالتالي تعديل بعض السلوكيات من خلال التعريف بثقافة المجتمع التركي. كذلك، هناك مسؤوليات شخصية على السوريين كأفراد، تشمل زيادة مستوى الوعي والتواصل الإيجابي مع المجتمع التركي وتصدير صورة إيجابية عن الوجود السوري والالتزام قدر الإمكان بالعادات أو التقاليد التركية وعدم التناقض معها بشكل صارخ. وعلى الدولة التركية تطبيق القانون على المحرضين وناشري خطاب الكراهية ومن شاركوا في عمليات الاعتداء، وتصحيح المعلومات المغلوطة حول الوجود السوري بين الأتراك، وهذا يتطلب تكاتف جهود الحكومة مع المجتمع المدني مع الناشطين الأتراك. ولعلّ أهم ما ينبغي تصويبه وترسيخه أنّ الجيش التركي موجود في سورية لأهداف تتعلق بالأمن التركي وليس من أجل السوريين".

المساهمون