"القفة" في أعراس التونسيين

"القفة" في أعراس التونسيين

08 يوليو 2019
خلال تزيين لوازم العرس (العربي الجديد)
+ الخط -



تختلف عادات العائلات التونسيّة في حفلات الزفاف بحسب الجهة التي تقطنها. لكنّها تبدو متشابهة لناحية اقتناء بعض اللوازم المتوارثة جيلاً بعد جيل

سلال من سعف الجريد تسمى "القفة" أو "علاقة العروس" كانت معلّقة على واجهة غالبية المحال في سوق العطارين في تونس العاصمة. هي مختلفة الأشكال والألوان والأحجام، وزيّنت بأقمشة تونسية أو أحرف عربية، يقتنيها أهل العريس قبل أيام قليلة من موعد الزفاف لتقدّم هدية للعروس في أولى أيام حفلات الزواج. هذا تقليد تونسي خاص تشترك فيه كلّ الجهات والمناطق، ولا يكاد يغيب عن أي حفل زفاف.



و"قفة العروس" مصنوعة من السعف أو أوراق النخيل أو نبتة الحلفاء، وتوضع داخلها مرآة صغيرة وسكر وبعض العطور وأوراق الحنّة، إضافة إلى كحل طبيعي وأنواع من البخور والعطور والحلوى واللبان المرّ وملازم عدة أخرى لم تعد تستعملها غالبية النساء اليوم. مع ذلك، ظلّت مكونات تلك القفة نفسها منذ سنوات. ولم يتخلّ التونسيون عن هذه العادة لأنّها كانت ولا تزال مرتبطة ببعض المعتقدات الغريبة. تقدّم في أولى أيام الزفاف لتفتحها العروس بنفسها، وأول ما تقع عليه يدها وهي مغمضة العينين له دلالة ما. مثلاً، في حال تمكنت من التقاط علبة السكر، ستعيش حياة زوجية سعيدة، وإذا ما أخذت أوراق الحنة، ستعيش حياة ملؤها الرزق. أما إذ أخذت اللبان المرّ، فلن تعيش حياة زوجية سعيدة. وعلى الرغم من كونها معتقدات غريبة، إلا أنّ غالبية العائلات، لا سيما التقليدية منها، ما زالت تؤمن بها. لذلك، بقيت قفة العروس لديهم من العادات التي يتمسكون بها في غالبية الجهات. ولا يمكن أحياناً قبول أهل العريس من دونها.




"وكانت القفة سابقاً تعدّ في البيوت، إذ تقتني والدة العريس كلّ ما يلزم من دكاكين العطارين، وترتبها داخل القفة وتزينها بأشكال مختلفة. لكن اليوم، باتت تقتنى جاهزة من قبل العطارين وتجار ملازم الأعراس، وتختلف أسعارها بحسب حجمها وشكلها ومحتوياتها، لتتراوح ما بين 40 و80 دولاراً". ويقول عبد الكريم (38 عاماً)، أحد بائعي لوازم الأعراس في المدينة العتيقة في العاصمة، إنّها عادة لا تغيب عن غالبية الأعراس التونسية في معظم الجهات، وتشهد إقبالاً كبيراً لا سيما خلال هذه الفترة، ما ينعش تجارتهم الموسمية ويحقق ربحاً مالياً كبيراً. غالبية اللوازم الأخرى في المحلّ تباع خلال حفلات الخطوبة أو المناسبات الأخرى العادية، بينما تنتعش التجارة مع قدوم فصل الصيف الذي يعد موسم حفلات الزفاف".



وتنتشر غالبية محال بيع لوازم الأفراح وسط المدن العتيقة في معظم الجهات والمحافظات، وتختلف فقط في الشكل والزينة، لكنّها لا تغيب عن أفراح التونسيين. ويحاول كلّ بائع تزيين تلك اللوازم بأشكال مختلفة وأكثر جمالية لجذب أهل العروسين.

في أحد الدكاكين قرب سوق العطارين في العاصمة، ترصف إحدى بائعات لوازم الأعراس ورودا اصطناعية في ركن صغير، وتتوسط كلّ واحدة من تلك الورود حبات حلوى وبعض المكسرات. تحرص على ترتيبها بشكل جميل، ووضع أشرطة ملونة وتوزيعها على المدعوين في حفلات الزفاف. ويعد اقتناء تلك الحلوى والمكسرات من أبرز العادات التونسية خلال الأعراس. وتختلف أيضاً بحسب الشكل والحجم، وتتنوع زينتها وألوانها التي عادة ما تقتنيها العروس بحسب لون وزينة قاعة الأفراح.

في السابق، كانت تجهز في البيت من قبل أهل العروس، وتوضع في سلّة مصنوعة من نبتة السمار أو الحلفاء بأشكال مختلفة. لكن اليوم، باتت هي الأخرى تقتنى من الأسواق الجاهزة، لا سيما أنها منتشرة في غالبية الأسواق وسط المدن. وهذا تقليد لا يغيب عن أفراح التونسيين، وتوزع على المدعوين بعد عقد قران العروسين مباشرة.



ويزدهر تزيين الحلوى في موسم الصيف بسبب كثرة حفلات الأعراس لتنتعش معها غالبية تلك الأسواق، وتشهد حركة كبيرة. كما أن الإقبال الكبير على تلك الحلويات يخلق مهنة موسمية يمارسها بعض الشباب، فيتولون تزيينها قبل تسليمها إلى المحال المخصصة لبيع لوازم الأعراس. وتشير عائشة مرايحي (24 عاماً) إلى أنّها تستغل العطلة الصيفية للعمل. ومنذ سنوات، باتت تقتني كلّ ما يتعلق بتزيين تلك الحلوى والمكسرات لصنعها في البيت، وتسليمها في ما بعد إلى المحال. تضيف أنّها توفر لها مداخيل مقبولة لاقتناء لوازمها المدرسية. كما أنّ الإقبال الكبير عليها لا سيما في فصل الصيف، يجعل بضاعتهم مطلوبة كثيراً وبأسعار مقبولة.




عدا تلك البضائع، تعرض أنواع مختلفة من الشموع التي تستعمل في حفلات الزفاف، إضافة إلى بيع كلّ أنواع البخور المختلفة، ولوازم أخرى تجعل غالبية الأسواق مزدهرة وتشهد حركة كبيرة منذ شهر مايو/ أيار وحتى سبتمبر/ أيلول. وتفتح المحال منذ السابعة صباحاً وحتى الثامنة ليلاً، وتكون مزدحمة.

ويُحدث غياب تلك اللوازم عن الأعراس مشاكل غريبة مضحكة بين أهل العروسين. ويعد التخلي عن جزء بسيط منها أو عدم التقيد بها استهتاراً بالعادات.