دركي يكافح الفساد

دركي يكافح الفساد

07 يوليو 2019
حريص على ما يتولى مسؤوليته (العربي الجديد)
+ الخط -
انتهى السباق ذو المسافة الطويلة. أواخر العدائين عبروا للتوّ، وبدأ المنظمون في إزالة التجهيزات من الطريق العام الذي أقفل طوال هذا الصباح. الأشرطة الصفراء التي تعلن أنّ وقوف السيارات ممنوع، يتولى أمر إزالتها رجال الدرك (قوى الأمن الداخلي) الذين نشروها بين الأعمدة في مساء اليوم السابق.

غالباً ما تكون الإزالة أسهل من اللصق أو التركيب. الأمثلة كثيرة حول تشييد وتدمير، وتصليح وتخريب، وملء وتفريغ، وغير ذلك من ثنائيات. وبالفعل، كان معظم العناصر يزيلون الأشرطة كالعادة بطريقة "التدمير والتخريب" تلك، إعلاناً عن السماح مجدداً بوقوف السيارات، فلا يهمهم غير انتزاعها من الأماكن التي ألصقت أو ربطت بها، ورميها في مستوعبات النفايات وصناديقها، أو حتى تركها على أرض تشهد أنّ سباقاً أقيم في هذا النهار.

أحد العناصر اختار الطريقة الأصعب، إذ جعل يزيل الشريط من المساحات المكلف بها، بهدوء، مختلف تماماً عمّا كان يفعل رفاقه. حرص الدركي على لفّ الشريط دائرياً، وتحويل كلّ مسافة منه إلى شكله الأسطواني الأساسي. كان كما لو أنّه يخطط لإعادته إلى مركزه واستخدامه في مرات مقبلة إن تطلّب الأمر ذلك.

وسط أحاديث لا تنتهي، تملأ وسائل الإعلام وتشغل المواطنين في يومياتهم عبر مختلف الوسائل والوسائط في لبنان، حول الفساد والهدر في القطاع العام، من دون استثناء السلك الأمني، اختار هذا الدركي أن يقدم درساً في المهنية والأخلاق العامة والحس الوطني وكذلك احترام المواطنين.

في بلد مثل لبنان، يعتبر الوصول إلى الوظيفة العامة فيه بوابة أمل إلى النفوذ والثروة، بطرق مختلفة تحتمل مختلف درجات الفساد. هنا، يحاول الأهل جهدهم ويبذلون مالهم - الكثير- لإدخال أبنائهم في عدد من تلك الوظائف عسكرية ومدنية، لما لها من صيت يرسّخ المقولة الشائعة عن اللبناني الذي "دبّر حاله" بما تحمله المقولة من معانٍ تهتم بالنتائج وما فيها من شقة تمليك، وسيارة حديثة، وحساب مصرفي كبير، ومهابة وسلطة، ولا تهتم كثيراً - وربما لا تهتم أبداً - بكيفية "تدبير حاله" وما السمسرات والصفقات والرشاوى والمساومات التي كان ضالعاً فيها.




في بلد مثل لبنان الذي احتلّ المرتبة 138 بين 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد للعام 2018، اختار هذا الدركي أن يذكّر الناس أنّ هناك من يخوض معارك يومية من أجل مكافحة الفساد، سواء من خارج المؤسسات أو من داخلها، عسى ألا تنتقل العدوى إليه. على العكس من ذلك، يبقى الأمل - وإن كان ضئيلاً- أن تنتقل عدوى هذا العنصر إلى غيره من الموظفين في الإدارات العامة، وصولاً إلى مجلسي النواب والوزراء وما فيهما من فساد وهدر أكبر بكثير من رمي شريط سباق في النفايات.

المساهمون