قرية الألزهايمر... مرضى يعيشون "حياة طبيعية" في فرنسا

قرية الألزهايمر... مرضى يعيشون "حياة طبيعية" في فرنسا

05 يوليو 2019
يستحق مريض ألزهايمر العيش في مكان يحترم خصوصيته (Getty)
+ الخط -
في مدينة داكس الواقعة في محافظة لاند الفرنسية (جنوب غرب)، ينتهي قريباً مشروع إنشاء قرية "لانديه" المخصّصة لمرضى الألزهايمر، ليتمكّن هؤلاء من العيش فيها حياة طبيعية وبناء علاقات اجتماعية في بيئة تراعي احتياجاتهم، بالإضافة إلى حصولهم على الرعاية الصحية المطلوبة في غياب كلّ إشارة طبّية، فالمكان سوف يكون خالياً حتى من أردية الأطباء البيضاء.
ويهدف المشروع الذي وُضع حجر الأساس له في يونيو/ حزيران 2018، والذي يفتح أبوابه في بداية 2020، إلى تقديم الدعم للمصابين بالألزهايمر ومنحهم فرصة للعيش في مكان يحترم أذواقهم الفردية وأنماط حياتهم الخاصة، بالإضافة إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع أحبائهم وأفراد عائلاتهم، مع الحرص على السعي إلى دمجهم في نسيج الحياة بالمدينة.
بالتالي، فإنّ رهان القائمين على القرية هو ابتكار نهج اجتماعي لا طبي من أجل تحسين حياة المرضى. يُذكر أنّ مدينة داكس تبعد ساعة ونصف الساعة عن مدينة بوردو (جنوب غرب)، ويمكن بلوغها بثلاث ساعات عبر القطار السريع انطلاقاً من باريس.
صُمّمت قرية "لانديه" لاستقبال نحو ثمانية آلاف مصاب بمرض الألزهايمر في وحدات سكنية صغيرة. وهؤلاء يستطيعون الاستفادة من متجر صغير في القرية، ومن محلّ للحلاقة والتجميل، ومكتبة وسائط متعددة، وقاعة عامة، وصالة ألعاب رياضية، ومطاعم، بالإضافة إلى حديقة ومزرعة حيوانات يمكن للنزلاء أن يمارسوا فيها البستنة والاهتمام بالحيوانات من دجاج ونعاج وحمير، فالعناية بالحيوانات تُعَدّ إيجابية بالنسبة إلى المرضى.
يُذكر أنّ الحديقة تمتدّ على مساحة خمسة هكتارات، وتضمّ برك ماء ونبات وأشجارا، وتتخللها مسارات متعدّدة لممارسة المشي، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود مساند لأمان المرضى من دون أن يشعروا بأنّهم مقيّدون في داخل مساحة محدّدة. ويتمّ التعويل على أهمية أن يعيش النزلاء في بيئة طبيعية مع تعرّضهم لكميات كافية من الضوء من أجل تنشيط حواسهم.
أمّا فريق العمل في القرية فيتألّف من 120 شخصاً من اختصاصات مختلفة، أطباء وممرضين ومساعدين متخصصين في رعاية كبار السنّ ومتخصصين نفسيين ومتخصصين في العلاج الطبيعي ومنظمي الفعاليات الترفيهية، إلى جانب طاقم إداري وموظفي الصيانة.
وفتحت القرية باب التطوّع، فيمكن بالتالي للراغبين في تقديم مساعدة إلى مرضى الألزهايمر، تسجيل أنفسهم على الموقع الرسمي للقرية. يُذكر أنّ أكثر من 200 شخص تطوّعوا في هذا السياق فيما شاركت نحو 60 جمعية ومؤسسة في أعمال تطوعية مختلفة بالقرية. وفي عام 2018، جرى تدريب المتطوّعين وتوعيتهم حول الألزهايمر وحالات الخرف والقضايا المتعلقة بذلك، إلى جانب تصميم برامج ترفيهية لسكان القرية.

وعند فتح القرية أبوابها، سوف يتمكن المتطوعون من الانخراط في الأنشطة المجتمعية مع النزلاء وطاقم العمل، وسوف تكون مرافق القرية العامة متاحة لإحياء مناسبات وفعاليات ترفيهية من قبيل المسابقات والألعاب والعروض المختلفة. وفي إمكان كل متطوّع تخصيص عدد معيّن من الساعات شهرياً لقضائها مع نزلاء القرية، بحسب تفرّغه، ومشاركتهم في إعداد الطعام أو المشي أو أيّ نشاط آخر.
وفكرة قرية "لانديه"، القرية الأولى الخاصة بمرضى الألزهايمر في فرنسا، كانت قد لمعت في رأس النائب السابق هنري إيمانويلي في عام 2013، على أثر تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية حول موقع مخصّص لمصابي الألزهايمر في هولندا. فقرّر إيمانويلي إطلاق مشروع رديف في منطقته. وتسعى القرية إلى تلبية الطموح الفرنسي والأوروبي في ما يتعلق بالحياة الاجتماعية والصحة والبحوث، من أجل تطوير جودة حياة المرضى ورفاهيتهم ورعايتهم. ويؤكد القائمون على المشروع أنّهم يركّزون بالدرجة الأولى على منح المريض دعماً شخصياً وفق نهج غير دوائي مدعوم بأنشطة علاجية من أجل المحافظة قدر الإمكان على قدرات المريض المعرفية، إذ إنّه من الضروري جداً أن يفهم فريق الرعاية أهمية احتياجات المريض للدعم وإدراك حجم قدراته المعرفية المتبقية لتجنّب تعريضه إلى الإحباط. بالإضافة إلى ذلك، ثمّة تخطيط لإنشاء مركز للبحوث في القرية، يجمع المتخصصين في الألزهايمر بفرنسا، ويُدرَّب فيه متخصصو الرعاية الصحية والإدارة الطبية والاجتماعية لنشر الممارسات العلاجية الفضلى.
في السياق، برى الأستاذ في مستشفى بوردو الجامعي، جان فرانسوا دارتيج، أنّ المرضى الذين يعانون الألزهايمر سوف يجدون في هذه القرية حياة نشطة، وسوف يعيشون نوعاً من الكرامة الاجتماعية والإنسانية، وسوف يتمكّنون من التسوّق أو الذهاب إلى مصفّف الشعر أو المسرح، وسوف يمارسون نشاطات ممتعة، وكلّ ذلك في إطار علاجهم.

المساهمون