طوارئ في بريد فلسطين

طوارئ في بريد فلسطين

06 يوليو 2019
هذه ليست أكياس نفايات بل بريد متراكم (عصام الريماوي/الأناضول)
+ الخط -

ثمّة أزمة كبرى ممتدّة في بريد فلسطين بالضفة الغربية، يتحمّل مسؤوليتها الاحتلال الإسرائيلي بالإضافة إلى الضعف في إمكانات هيئة البريد الفلسطيني التابعة لوزارة الاتصالات

منذ نحو عشرة أعوام، ينجز الفلسطيني أحمد أبو عرقوب، من سكان مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، عمليات تجارية إلكترونية، غير أنّه اضطرّ أخيراً إلى التوقّف عن ذلك نتيجة تأخّر بعض الطرود في الوصول إليه عبر البريد لمدّة تصل إلى ثلاثة أو أربعة أشهر، علماً أنّ المدّة المطلوبة عادة تراوح ما بين 25 يوماً و30. يقول أبو عرقوب لـ"العربي الجديد"، إنّ "تجارتي الإلكترونية استمرت طبيعية حتى عام 2013، لكنّ ازدياد إقبال الناس على هذا النوع من المعاملات أدّى إلى مضاعفة عدد البضائع الواردة وبالتالي تأخّر التسليم، وصولاً إلى الوضع الحالي الذي يمكن وصفه بالصعب جداً". واليوم، ينتظر أبو عرقوب وصول طرد طلبه إلكترونياً في شهر إبريل/ نيسان الماضي، وصل إلى مدينة القدس المحتلة بتاريخ 30 مايو/ أيار الماضي، أي أنّه موجود لدى بريد الاحتلال الإسرائيلي من دون أن يتمكّن هو من تسلّمه حتى الآن.




وحجم بضائع التجارة الإلكترونية الكبير استوجب، إلى جانب عوامل أخرى، حالة طوارئ في البريد الفلسطيني التابع لوزارة الاتصالات، لا سيّما على أثر وصول نحو أربعة آلاف طرد دفعة واحدة قبل أسبوع إلى مركز التبادل البريدي الدولي في أريحا، شرقيّ الضفة الغربية، بعد تأخير الاحتلال بالتسليم وتراكم البريد. يُذكر أنّ التأخير يرتبط بعطل يهودية يرفض الاحتلال في خلالها التعامل مع البريد. ويعمل 15 موظفاً في فرز البريد بالمداورة، معظمهم من المكاتب الفرعية في مناطق الضفة الغربية كلها، وذلك وفقاً لخطة الطوارئ. وقد نُقل في السياق جزء من البريد إلى مركزَي فرز إضافيَّين في شمال الضفة وجنوبها، في محاولة لتسريع عمليتَي الفرز والتوزيع. ويربط أبو عرقوب المشكلة القائمة بـ"زيادة العمل في البريد وبقاء الطاقم الموكل به كما هو تقريباً"، مطالباً بصفته واحداً من المستفيدين الكبار من خدمات البريد، بـ"توسيع مراكز الفرز وتطوير مكاتب البريد وتوفير أدوات مساعدة تسهّل تتبع المستفيد لطروده حين تصل إلى فلسطين مثلما هي الحال في كل دول العالم".

من جهته، يقول رئيس نقابة العاملين في الخدمات البريدية حسام مصلح، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العبء على الموظفين يتضاعف مرّات عدّة مع بقاء الطاقم صغيراً بالمقارنة مع المطلوب، الأمر الذي يؤدّي إلى تأخّر التسليم في الوقت المناسب، فضلاً عن استمرار ظلم نسبة كبيرة من الموظفين في البريد". يضيف: "أنا في البريد منذ 17 عاماً، وكغيري من الموظفين أعمل بنظام المياومة إلى جانب آخرين يعملون بحسب عقود عمل من دون أن يكونوا موظفين حكوميين، الأمر الذي يحرمنا جميعاً من حقوقنا، من قبيل احتساب غلاء المعيشة وبدل المواصلات والراتب التقاعدي".

ولا ينفي مدير عام البريد الفلسطيني حسين صوافطة لـ"العربي الجديد"، تلك المشكلة، موضحاً أنّ "النقص يتركّز في عدد موزّعي البريد، لا الموظفين الإداريين، فثمّة 125 موظفاً من أصل 350 يعملون وفق نظام المياومة والعقود". يضيف أنّ ذلك "يعود إلى عدم توفّر تعيينات واعتمادات لموظفين جدد من الحكومة، خصوصاً في ظل الأزمة المالية الأخيرة. أمّا بخصوص نظام التتبع البريدي، لا سيّما لـ(البعائث) البريدية، فإنّه قيد الإنجاز، لكنّه يواجه كذلك عقبات بسبب عضوية فلسطين كمراقب وليس كعضو دائم. لكنّ الاتصالات متواصلة مع اتحاد البريد العالمي (تابع للأمم المتحدة)، لحلّ تلك المشكلة".

ويشير صوافطة إلى أنّ "البريد يبلغ فلسطين عبر طريقتَين، إمّا من خلال إرساليات (شحنات) مغلقة باسم البريد الفلسطيني، من المفترض أن تصل من الأردن من خلال معبر الكرامة. ويُذكر أنّ الاحتلال يعيد تلك الإرساليات إلى الأردن ويمنع مرورها، على الرغم من الاتفاق المبرم في عام 2016 مع الاحتلال برعاية اتحاد البريد العالمي والذي يسمح باستقبال البريد بشكل مباشر عبر الأردن. أمّا الطريقة الثانية فهي من خلال بريد الاحتلال". ويشرح صوافطة أنّه "في مرّة واحدة فقط، في العام الماضي، تلقينا البريد عبر الأردن، وقد وصلنا 12 طناً متأخراً تراكم في خلال عشرة أعوام تقريباً. وقد حاولنا بعد ذلك، في أكثر من مرّة، إدخال الطرود بتلك الطريقة لكنّ الاحتلال كان يعيدها في كل مرّة".




ويكمل صوافطة أنّه "في ما يتعلق بالطريقة الثانية عبر بريد الاحتلال، فإنّ المشكلة تكون مع العنوان المسجّل على الطرود: إسرائيل بالإضافة إلى اسم المدينة الفلسطينية. وهنا يتحكم الاحتلال بمواعيد التسليم، فضلاً عن تكدّس البريد في خلال العطل اليهودية". ويلفت صوافطة إلى أنّ "الاحتلال كان يسلّم البريد عبر حواجزه العسكرية، مثل حاجز عوفر الواقع إلى الغرب من رام الله، لكنّ الطرف الفلسطيني يرفض ذلك اليوم، خصوصاً بعد إنشاء مركز التبادل الدولي في أريحا، انطلاقاً من مبدأ السيادة. ولأنّ الاحتلال ملزم بإيصاله، فهو يأخذ النفقات الختامية للبريد الوارد ولا يحوّلها للبريد الفلسطيني، وهذا سبب إضافي لتأخير تسليم البريد كنوع من الضغط على الفلسطينيين". ويوضح صوافطة أنّ "البريد الفلسطيني يخسر نحو مليون دولار سنوياً، بسبب عدم تحصيل النفقات الختامية، فيما تتأخر طرود كثيرة بسبب ما يسميه الاحتلال الإجراءات والفحوصات الأمنية. كذلك ثمّة سبب آخر للخسائر وهو حجز الواردات التي يستوجب تحصيل الضرائب الجمركية عليها، إذ إنّ البريد الإسرائيلي صار يتواصل مع المواطنين الفلسطينيين مباشرة من أجل تحصيل تلك الضرائب". تجدر الإشارة إلى أنّه في إمكان البريد الفلسطيني استقبال طرود تصل إلى حدّ 20 كيلوغراماً، وذلك من ضمن شروط تتلاءم مع سياسة البريد الفلسطيني، على أن يتمّ التدقيق بها واتّباع الإجراءات المخصصة من قبل البريد الفلسطيني وكذلك العالمي".