أم محمد موسى: ارأفوا بالفقراء

أم محمد موسى: ارأفوا بالفقراء

06 يوليو 2019
تدفع عربتها وتمضي في عملها (العربي الجديد)
+ الخط -
في الصباح الباكر من كلّ يوم، تتنقّل أمّ محمد في شوارع مدينة صيدا، الواقعة في جنوب لبنان، وهي تدفع عربة مليئة بشتّى أنواع البلاستيك والخردة التي تبحث عنها في مكبات النفايات أو تلتقطها عن الأرض وقد رميت في الشوارع. يتصبّب وجهها عرقاً فيتبلّل منديلها الذي جرد لونه لكثرة تعرّضه إلى أشعّة الشمس، فيما تحمل عيناها كثيراً من الهمّ والأسى.

قبل 15 عاماً، توفي زوجها مخلّفاً وراءه سبعة أولاد من دون أوراق ثبوتية. المرأة اللبنانية من النبطية، جنوبي لبنان، تزوّجت بلاجئ فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة، لكنّه لم يُمنح وثيقة تثبت أنّه من اللاجئين الفلسطينيين بما أنّه لجأ إلى لبنان بعد عام 1948، بالتالي لم تشمله الإحصاءات إبان النكبة. واليوم تسكن أمّ محمد في منطقة التعمير المحاذية لمخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، في بيت سقفه من ألواح "الزينكو" يصحّ القول فيه إنّه "شبه بيت". وهي اختارته نظراً إلى بدل إيجاره الزهيد (مائة دولار أميركي) بالمقارنة مع بدلات الإيجارات المرتفعة اليوم.

تعتمد أمّ محمد على ما يجود به الناس عليها، لا سيّما أنّهم يعرفون كم تكافح من أجل تأمين لقمة عيشها، لدرجة أنّها تبحث في مكبّات النفايات عن البلاستيك والخردة بهدف جمعها ثمّ بيعها. تخبر أمّ محمد "العربي الجديد" أنّها تمكّنت أخيراً من "الاستحصال على أوراق ثبوتية لأولادي من سفارة دولة فلسطين في لبنان، وهم يتحرّكون على أساسها. ولقاء تأمين تلك المستندات دفعت ثلاثة ملايين ليرة لبنانية (2000 دولار أميركي)، وقد جمعت ذلك المبلغ من عملي المتواضع". تضيف أمّ محمد: "في البداية، كنت أشتغل في أحد المطاعم، لكنّني صرت أشعر بالتعب نظراً إلى دوام العمل الطويل، ثمّ ارتأيت أن أقوم بجمع البلاستيك والخردة وهو أمر لا يتطلب ساعات طويلة من الجهد، على الرغم من أنّ ما أتقاضاه لقاء عملي هذا ليس مرتفعاً. في بعض الأيام، لا يتعدّى مدخولي ثمانية آلاف ليرة (5.33 دولارات)، وفي مرّات قد يصل إلى عشرين ألف ليرة (13.33 دولاراً)".



تتابع أمّ محمد: "عندما كان أولادي صغاراً، كانت المؤسسات تقدّم لي المساعدات. أمّا وقد كبروا، فقد أوقفت دعمها المادي لنا، علماً أنّه لطالما كان قليلاً لكنّه كان يساعدنا نوعاً ما"، مشيرة إلى أنّ "أياً من الجهات لم تقدّم لنا المساعدة الطبية، لا سيّما أنّني لا أستطيع الاستفادة من خدمات وكالة أونروا (وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) في هذا المجال، لأنّ زوجي ليس من فلسطينيي لبنان، أي الذين لجأوا في عام 1948". وتكمل أمّ محمد أنّ "أولادي سبعة، أربع بنات وثلاثة أبناء. اثنتان من البنات تزوجتا واثنتان ما زالتا تعيشان معي وأنا مسؤولة عن تأمين معيشتهما بعدما سُجن اثنان من أبنائي وتوفي الثالث بعد إصابته برصاص جند الشام في أثناء معركة في مخيّم عين الحلوة قبل خمسة أعوام". يُذكر أنّ الابنَين مسجونان بتهمة تعاطي المخدّرات، الأوّل سوف يخرج قريباً من سجن رومية، أمّا الثاني فهو محتجز في صيدا وهي تجمع المال من أجل توفير المبلغ اللازم لإخلاء السبيل. وتلفت أمّ محمد إلى أنّ "ابني الثاني يتلقّى علاجاً للإدمان لدى الصليب الأحمر اللبناني"، مناشدة الدولة اللبنانية بأن "ترأف بالفقراء. لا أنفي التهمة عن ابني، لكنّه ضحية تجّار كبار. لذا بدلاً من زجّه في السجن، على الدولة اللبنانية أن تعمل على إلقاء القبض على التجار الكبار الذين يتسبّبون في أذية ابني وأمثاله". وتطالب كذلك الدولة اللبنانية بأن "تساعد أولادنا في علاجهم من هذا المرض المتفشّي وتعمل على توفير فرص عمل لهم تمنعهم من التفكير بالمخدّرات".



تجدر الإشارة إلى أنّها كانت تنتظر مساعدة أبنائها لها، غير أنّ الثلاثة لم يفعلوا. إلى جانب ذاك الذي قُتل في خلال معارك بعين الحلوة، ثمّة شاب يبلغ من العمر 26 عاماً أصيب بدوره بطلقات نارية في يده ورجله ولم يعد يقوى على العمل، لكنّه في كلّ الأحوال مسجون على خلفية قضية مخدرات. أمّا ابنها الثالث البالغ من العمر 21 عاماً، فقد سُجن بداية على خلفية إشكال وتضارب، ثمّ ألقي القبض عليه بسبب حيازته مواد مخدّرة.

صحيح أنّ أمّ محمد تعمل لساعات قليلة في النهار، غير أنّها تتعرّض إلى أشعة الشمس الحارقة في فصل الصيف، وإلى البرد القارس والمطر في فصل الشتاء. وتؤكّد أنّ المشكلة تكمن في أنّها لا تملك خياراً آخر، فلا معيل لها سوى جسدها الذي أنهكه التعب والهمّ، بالإضافة إلى ما تحصل عليه من أشخاص صاروا يعرفونها في مدينة صيدا.