قبل الغفوة

قبل الغفوة

28 يوليو 2019
متاهة (Getty)
+ الخط -
تجلس هنا وتنام هُنا. وفي العتمة، تُغمض عينيها وتستذكر ذلك اليوم أو تلك الأيام. لا تسمّي ذلك حنيناً، وتفضّل ألّا تطلق أية أسماء. مسارُ الحياة بتفاصيل تُروى ولا تُروى. أشياء كثيرة لا تقولها. وليس في ذلك تعنّت، بل إن أشياء كثيرة لا تُقال، ولا فائدة من قولها. يطلق البعض على ذلك تعذيباً للنفس، وكأن الجسد حفرة نرمي فيها كل ما نختبره. وكما تُرمى الأحداث والهموم، ترمي جسدها على سرير تجده أمامها بثيابٍ ترتديها للحياة خارج البيت، ناقلة إلى فرشتها كل قذارات اليوم.

كلمات ليست بحدث ولا تُعبّر عن قضية أو أزمة. وفي بلادنا الكثير. هو حفرة مليئة بقذارات بعضها موروث وبعضها مستجد، وتتراكمان معاً. لكنّها الضغوط. أليست جزءاً من مشاكل حياتنا؟ تلك العبارات التي نشعر بها في دواخلنا ولا نستطيع فهمها أو تحويلها إلى كلمات... كيف ننقلها إلى آخرين ليشعروا معنا وبنا؟ عبء الطفولة ينام طويلاً قبل أن يتحوّل إلى خللٍ في أجسادنا، أو على الأقل قبل أن ننتبه إلى ذلك الخلل. وهنا، في لحظات كهذه، علينا أن نعبّر عن أنفسنا ونتشارك بعض التفاصيل مع الآخرين. نصائح!

تجلس على كنبة مريحة، وقد تغفو عليها إذا ما تأخّر الوقت. تحكي أن الأحلام يجب أن تأخذ حقها في الصغر، وأن هذا حقّ يحرم منه كثيرون في حياتهم. وتحكي أن المرأة في بلادها تُمنّن بحقوق، طالما أن كثيرات يعملن ويقدن سيارات ويرتدين ما يحلو لهن، وأن رجالاً كثيرين باتوا يحسدونها على ما تتمتّع به على حسابهم. وأيّ تحليل لمجتمع لا يستند إلى مساواة في الحقوق يتحوّل إلى اتهامات بـ"النسوية" (في محاولة للقول إن الأفكار متطرفة من دون أن يكون هذا متبنًى).



تقول إنّها لا تقسّم الإنسان إلى فئات عمرية أو جنس حين تتحدّث عن حقوق. النقطة الأساس التي تنطلق منها هي الإنسان، ولا تعنيها كل التسميات الأخرى والتقسيمات، ومنها ما هو مبالغ فيه... برأيها. تبوح بأفكار لم يعد يحتملها الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، الجاهزون دائماً للردّ والكثير من الكتابة والرد على الرد. كيف يملكون كل ذلك الوقت؟ تحسدهم لأنها تعاني بسبب ضيق الوقت وضيق الزمن وضيق العمر. ما من قلوب تتسّع وبيوت تتسّع. كل شيء ضيّق ويضيق أكثر فأكثر.

كثيرون يشكون ضيقاً في التنفّس. وكأنّ الحياة قست على الجميع في آن. جردتهم من حيّز الأمان الذي كان يقيهم تبعات المرارة. ستغفو طويلاً بعد كلّ هذه القصص، بالثياب نفسها التي كانت جزءاً من اختباراتها. لا بأس. التجارب تستحق، إلى أن ينتهي البشر من الضياع.

المساهمون