إلى متى يبقى مشروع ليالي طهران في قبضة الشرطة؟

إلى متى يبقى إقرار مشروع ليالي طهران في قبضة الشرطة؟

26 يوليو 2019
ثمّة حاجة إلى إحياء ليل المدينة (روزبه فولادي/ Getty)
+ الخط -
زيارة طهران ليست كما الاستماع إلى أخبار متداولة حولها، فمن يقصدها يجد ما لا يمكن للسامع أو القارئ أن يلمسه. تعد المدينة نبض إيران، ذلك البلد الذي لطالما كان مجهولاً وغامضاً بالنسبة إلى كثيرين من أبناء المنطقة العربية وكذلك العالم.

من يتمكّن من جسّ ذلك النبض عن قرب يستطع التعرّف على بعض وقائع الأمور في البلد، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، فعلى الرغم من أنّ العقوبات الأميركية تثقل كاهل السكّان، وأثّرت سلباً على كل مناحي الحياة، فإنّ العاصمة الإيرانية ما زالت تضج بحيوية ودينامية معهودتَين نهاراً، في حين أن لياليها صامتة.
تخبو الحركة في طهران شيئاً فشيئاً تحت جنح الظلام لتتوقف عند منتصف الليل، وذلك بموجب القانون الذي يحظر بقاء المحال والدكاكين والأماكن العامة مفتوحة بعد هذه الساعة.
يبلغ عدد سكان طهران نحو تسعة ملايين نسمة، وهي من المدن القليلة في المعمورة التي لا تملك حياة ليلية، تلك الحياة التي صارت تمنح جاذبية للمدن الكبرى، فالناس يلجؤون إلى تلك الحياة لينفضوا عن أنفسهم غبار التعب بعد نهار حافل بالعمل.
عمد المجلس البلدي في طهران إلى البحث عن مشروع يهدف إلى إحياء العاصمة ليلاً، فأقرّ مشروع "الحياة الليلية في طهران" في فبراير/ شباط 2019. وكلّف المجلس البلدية بتوفير البنى اللازمة لإطلاق المشروع، علماً أنّ العاصمة كانت تعرف حياة ليلية قبل الثورة الإسلامية في عام 1979.
بدأ تنفيذ المشروع بصيغة تجريبية ابتداءً من شهر "أرديبهشت" الإيراني (21 إبريل/ نيسان الماضي)، وذلك لمدّة ثلاثة أشهر، على أن يغطّي خمس مناطق في جهات طهران الأربع، وتحديداً في تجريش، وولي عصر، وصادقية، ونازي آباد، وطهران بارس. والهدف هو استكشاف مواطن القوة والضعف قبل تعميم التجربة على مناطق أخرى.

وحسب مشروع "الحياة الليلية في طهران"، تفتح المحال والأماكن العامة في الشوارع الرئيسية من الثانية عشرة من منتصف الليل حتى الثالثة فجراً، إلى جانب السماح للباعة المتجوّلين بمزاولة عملهم عند أطراف تلك الشوارع بحرية.
ورُسمت للمشروع أهداف من بينها تنمية السياحة الليلية، وزيادة النشاط الاجتماعي، وتنظيم الأشغال غير الرسمية، وزيادة ساعات استفادة المواطنين والسياح من الإمكانيات والفرص المتوفّرة، وتنمية عجلة الاقتصاد، وتطوير أساليب الحياة، والحد من الجرائم وتنظيم سهرات ليلية غير قانونية.
وتوقّع مراقبون أن يخفّف المشروع من الأزمة المرورية الخانقة التي تشهدها طهران في نهارها، من خلال نقل جزء من نشاطات سكانها إلى الليل.
وتكتسب الحياة الليلية صيفا أهمية كبرى في طهران، إذ إنّ شوارعها قد تمثّل ليلاً متنفّساً للمواطنين الهاربين من درجات الحرارة المرتفعة في النهار، فيعمدون إلى التسلية وممارسة نشاطات اجتماعية واقتصادية يصعب عليهم إنجازها نهاراً.
لكنّ الشرطة الإيرانية أوقفت تنفيذ المشروع بعد شهر رمضان الماضي "لدواع أمنية"، مبرّرة قرارها بعدم وجود ملحق أمني له، ومشترطة مراعاة القواعد والمقررات الأمنية للعودة إلى المشروع.
في وقت لاحق، أعلن المجلس البلدي في طهران التوصل إلى حلّ مع الشرطة في أعقاب لقاء جمع أعضاءً من المجلس مع قائد شرطة طهران العميد حسين رحيمي، ونتج عنه تشكّل فريق عمل لدراسة كل الجوانب الأمنية للمشروع.





وبعد يوم واحد من إعلان المجلس البلدي، صرّح نائب القائد العام لقوات الشرطة الإيرانية، أيوب سليماني، بأنّهم رفضوا مشروع "الحياة الليلية في طهران" رفضاً قاطعاً، وقال: "لا نقبل بالحياة الليلية. هذه الثقافة غير موجودة حتى في أوروبا، ولن نرضخ لها".
وأضاف أنّه كان في مقدور قواته توفير الأمن والنظام في خلال شهر رمضان، لكنّ ذلك ليس ممكناً على مدار العام. وأكّد سليماني كذلك أنّ الهدف من تنفيذ المشروع في شهر رمضان كان "توفير خدمات إضافية للصائمين المؤمنين الذين قلما تمكنوا من الخروج من منازلهم في النهار، بالتالي عمدوا في الليل إلى الالتحاق بمجالس القرآن الكريم وعكفوا على العبادات".

والشرطة ليست الجهة الوحيدة التي تعارض المشروع، فثمّة جهات أخرى منها قائمقامية العاصمة، ومؤسسات وشخصيات محافظة، في حين سُجّل رأيان متناقضان بين البرلمانيين إزاءه.
وقد عدّه نائب رئيس اللجنة الثقافية في البرلمان، العالم الديني أحمد سالك، "تمهيداً للفساد وإرباكاً للعائلة"، قائلاً إنّ "توفّر حياة ليلية في مدن ودول بالعالم لا يمثّل مبرراً لنا حتى ننفّذها في الجمهورية الإسلامية. نحن لسنا مقلّدين للغرب".
أمّا المشرّع الإيراني الإصلاحي محمد رضا تابش، فاعتبره مهمّ لسلامة المجتمع ورفع مستوى الهدوء النفسي فيه، وفي الوقت نفسه للمساعدة في حلّ مشكلات عدّة من قبيل البطالة.
وفي حين صادق 14 عضواً من أعضاء المجلس البلدي في طهران، البالغ عددهم 21 شخصاً، على المشروع، عبّر رئيس المجلس محسن هاشمي رفسنجاني عن عدم موافقته كلياً عليه، ثمّ غرّد لاحقاً أنّه يعارض حضور أبنائه في الحياة الليلية، مشيراً إلى أنّه ينام عند الساعة العاشرة ليلاً ولا يميل إلى هذا المشروع.

وربط رفسنجاني نجاح المشروع بالإطار الأسري، مضيفاً "سوف أكون قلقاً في حال كانت للأولاد برامج منفصلة في الحياة الليلية. وفي حال كان الأب وحده يمارس هذه الحياة، فإنّ من شأن ذلك أن يتسبب في قلاقل للمرأة". لكنّه عاد ليتراجع بعض الشيء، بعد اعتراضات طاولت تغريدته على شبكات التواصل الاجتماعية، لافتاً إلى أنّه "في إمكان الناس أن يسهروا، فلا علاقة لنا بذلك، وما طرحته سابقاً كان يرتبط بي شخصياً".
وعلى أثر الاعتراضات على المشروع، أعلنت قائمقامية طهران في خلال شهر يوليو/ تموز الجاري، إحالة "الحياة الليلية في طهران" إلى الهيئة المركزية لحلّ الخلافات في الدولة وإبداء رأيها بشأنه.
وفي السياق، نقل موقع "مشرق نيوز" عن مسؤول شؤون الإعمار في القائمقامية غلام حسين آرام، أنّ القائمقامية تعارض المشروع، قائلاً إنّ ذلك يحتاج إلى تنسيق مع السلطات العليا، منها وزارة الداخلية. من جهتها، أشارت عضو هيئة رئاسة المجلس البلدي في طهران، زهراء نجاد بهرام، إلى أنّ المجلس في انتظار ردّ هيئة حلّ الخلافات، مؤكدة أنّ البلدية مكلفة بإعداد لائحة حول الحياة الليلية وينبغي أن تطاول كل جوانب القضية.
وإلى حين إعطاء السلطات رأيها النهائي حول المشروع، فإنّ ثمّة نمطاً من الحياة الليلية أو بالأحرى من السهرات الليلية في بعض شوارع طهران، خصوصاً في الشمال "الثري"، وهو في طريقه إلى فرض نفسه على العاصمة، الأمر الذي دعا البعض إلى المطالبة بتطبيق مشروع "الحياة الليلية في طهران" لتنظيم تلك السهرات.
وفي السياق، دعا عالم الاجتماع الحضري كامبيز مصطفى بور في حديث إلى وكالة "إرنا" الإيرانية، إلى تبنّي ذلك المشروع بهدف احتواء حياة ليلية غير رسمية في طهران "بلا جودة وخطيرة"، إذ إنّ ثمّة شباباً "ينزلون إلى الشوارع بسياراتهم في حالات غير عادية ومن الممكن وقوع حوادث مرور خطيرة". وأشار بور إلى أنّ طهران كانت تعيش حياة ليلية قبل الثورة، لكنّ ثمّة حاجزاً أمنياً حال دون ذلك بعدها.

دلالات