كندا... ذاك الحلم

كندا... ذاك الحلم

03 يوليو 2019
لم أتجرّأ بعد على حسم أمري (جورج روز/ Getty)
+ الخط -

في الأوّل من يوليو/ تموّز، احتفلتْ كندا بيومها الوطنيّ. حصل ذلك أوّل من أمس. عدد لا بأس به من الأصدقاء والأقارب بدا معنيّاً بذلك اليوم. فهؤلاء جميعهم صاروا مواطنين كنديّين، أو هم على وشك أن يصيروا كذلك. بعيداً عن كلّ تأويل سلبيّ للفعل، أرى نفسي وقد حسدتُهم على ذلك. الهجرة إلى تلك البلاد البعيدة لطالما راودتني، من دون أن أتجرّأ على حسم أمري في يوم.

لا أذكر متى سمعتُ كلمة "كندا" للمرّة الأولى. حصل ذلك، على الأرجح، عندما كنت لا أزال جنيناً في رحم أمّي. دراسات كثيرة أكّدتْ أنّ الجنين قادر على سماع أصوات صادرة عن "العالم الخارجيّ"، ابتداءً من الفترة الممتدّة ما بين الأسبوع الثالث والعشرين والأسبوع السابع والعشرين من الحمل، فيكون السمع إذاً الحاسّة التي تهيّئه للحياة ما بعد الولادة. بعيداً عمّا خلصتْ إليه دراسات علميّة أو أخرى، لطالما تردّدتْ كلمة كندا في عائلة أمي الممتدّة. كثيرون هم أقاربها، من أخوال وأنسباء وغيرهم، الذين استقرّوا هناك في فترات زمنيّة مختلفة، ابتداءً من سبعينيّات القرن التاسع عشر. بعضهم هاجر قبل زمن ليس ببعيد. حينها، كنت في سنِي مراهقتي الأولى وقد شهدتُ على ذلك. وبعد بأعوام، ودّعتُ أصدقاء حسموا أمرهم وتوجّهوا إلى تلك البلاد البعيدة، مع عائلات أسّسوها أو بمفردهم.

يوم خطرتْ لي فكرة الهجرة إلى كندا، كنت لا أزال طالبة جامعيّة. فاستحصلتُ من السفارة الكنديّة في بيروت، بعد انتظار استمرّ أكثر من ساعتَين في طابور طويل، على طلب هجرة. كان الطلب ورقيّاً حينها. ما زلت أذكر كيف حملتُه وأنا أشعر بما يشبه النصر، وعند بلوغ المنزل وضعتُه سريعاً في درج مزوّد بقفل. هو مستند لا يُقدَّر بثمن. في ذلك اليوم، بدأتُ أجيب عن أسئلة ذلك الطلب، قبل أن أعيده إلى الدرج وأُحكم إقفاله. وبعد نحو اثنَي عشر عاماً، قبيل انتقالي من المنزل، فتحتُ الدرج لأجده بين مستندات أخرى. لم تصفرّ أوراقه بفعل مرور الزمن، غير أنّ مدّة صلاحيّته انتهتْ.




طوال تلك الأعوام، لم تفارقني "نيّة" الانتقال إلى كندا. جاهرتُ بذلك أمام كثيرين، لا بل أمام كلّ الذين عرفتهم وأمام عدد كبير من الذين التقيتهم لمرّة واحدة في مناسبة أو في أخرى. ربما يصحّ القول هنا "جعجعة بلا طحنٍ". مهلاً، لستُ مسؤولة كليّاً عن بقائي "مكانك راوح"، ففي مرّات عدّة كانت الشروط المشدّدة تحول دون تقدّمي بطلب هجرة... إلكترونيّ. نحن اليوم في عصر التكنولوجيات الحديثة والمستندات الورقيّة إلى اندثار.

قبل نحو ثمانية أعوام، مزّقتُ طلب الهجرة الورقيّ الذي بقي طويلاً في درج محكم الإقفال. ربّما أردتُ من خلال ذلك إخفاء الدليل على إخفاقي في حسم أمري... هو دليل على عجز وقلّة حيلة. لكن، ما زلتُ أحلم بكندا وببيت هناك - غير ذاك الذي تغنّيه فيروز - وبأشجار أوراقها ملوّنة وبشيخوخة مضمونة هانئة.

دلالات

المساهمون