عطلة صيف البكالوريا

عطلة صيف البكالوريا

20 يوليو 2019
الرملة البيضاء عام 1998 (جوزيف براك/ فرانس برس)
+ الخط -

كان اليوم الأخير لامتحانات البكالوريا (الثانوية العامة) لعام 2000. طقس حار سبقنا إلى القاعات في المدرسة التي اختبرنا فيها ولم تعرف تكييفاً من قبل، ولم نعرفه في مدرستنا الأصلية كذلك. الأزياء تتنوع، والعطور تختلط برائحة المكان والأشخاص، وتتداخل مع الأصوات والتعابير بغرابة، حتى تسجل الحدث في الذاكرة سنوات طويلة. حدث ربما يرفض المغادرة لدى البعض ويعتبره المفصل بين ما كان وما جاء بعده. الدرس وملاحقة الفتيات، على أناقتهن الإضافية وهن يهممن بالدخول إلى عالم الكبار، والغش، ومضايقة المراقبين، وإطلاق النكات، كلّها من سمات اليوم الأخير ذاك، لكنّ ما يشغلنا أكثر كان الموعد الذي ضربناه مع البحر، بعد انتهاء هذا اليوم، وأملنا في أن ننهي جميعاً معه، سنوات المدرسة وما نعطيها من صفات سلبية غالباً، فلم نكن قد اختبرنا بعد ما في الجامعة والخدمة العسكرية الإلزامية والمهن المختلفة من صفات.

انتهى الوقت، وبعدما تفرقنا منذ بداية الامتحانات قبل أيام بين مدارس المنطقة التعليمية، تجمعنا أمام مدرستنا بالذات، وانطلقنا إلى البحر.

الأجواء السياسية مقبولة في البلاد بعد تحرير أرضها من الاحتلال الصهيوني في مايو/ أيار 2000. والأوضاع الاقتصادية متدهورة في انتظار انتخابات نيابية جديدة وخلفها حكومة قد تؤدي إلى التحسن أو التدهور، والأخير دأب لبناني أصيل، فعلى بعد 19 عاماً من ذلك التاريخ، يمكن القول بكلّ راحة إنّ الأوضاع الاقتصادية لم تتحسن في أيّ مرحلة أو منعطف.

أما الباص رقم 12، الأحمر، فطريقه طويل، لكن لا غنى عنه، فأجرته 500 ليرة (ثلث دولار) لا غير، والجميع مفلس كالعادة. وعلى الطريق الذي لا يوصلنا إلى البحر، بل إلى أقرب نقطة منه، ينطلق الباص ونطلق العنان لحريتنا، ويذهب الركاب الآخرون ضحية حريتنا المسيئة هذه. وإن تسامح كثيرون مع طيشنا، فالسائق لم يتسامح إذ حاول طردنا أكثر من مرة، لكنّنا في كلّ مرة رفضنا النزول من الباص، وعطلنا الركاب الآخرين الذين نقلوا لومهم إلى السائق الذي لا يفترض به أن "يحط عقله في عقولنا".




المكان الأقرب إلى البحر على خط الباص، يقع في منطقة الأونيسكو. وهكذا مشينا، عشرة شبان تقريباً، إلى شاطئ الرملة البيضاء، على بعد 5 دقائق لا أكثر. وصلنا، ورمينا ملابسنا وما معنا من أغراض على الرمال الحارقة، ونزلنا إلى المياه. مع الموجة الأولى أدركنا أنّنا تخففنا من كلّ متاعب المدرسة. ومع الموجة الثانية بدأنا نفكر في مستقبلنا "المشرق". ومع الموجات الثالثة والرابعة والمليون وكلّ ما فيها من أوساخ وفضلات وروائح قذرة، بتنا على يقين أنّ مستقبلنا يتجسد أمامنا.

المساهمون