دورات لا تضمن اندماج الوافدين الجدد في بلجيكا

دورات لا تضمن اندماج الوافدين الجدد في بلجيكا

11 يوليو 2019
الاندماج يتطلّب الكثير (إدوارد كراوفورد/ Getty)
+ الخط -

بهدف الاندماج جيداً في مجتمع جديد، لا بدّ للوافدين إليه من الاطلاع على شؤونه وأعرافه وقوانينه وخصوصيته والتمكّن من اللغة التي تضمن تواصلاً مع السكان الأصليين.

يتوجّب على الوافدين الجدد إلى بعض مناطق بلجيكا، بهدف الإقامة والحصول على الجنسية، متابعة دروس في الاندماج تشمل معلومات حول تاريخ بلجيكا والقيم العالمية، لكنّ تقريراً حديثاً أفاد بعدم كفايتها على الرغم من تأكيده ضرورتها. بالنسبة إلى التقرير الخاص بتقييم التدريب وخطة التكامل الاجتماعي والمهني المخصصة للوافدين الجدد إلى البلاد، فإنّ دورات الاندماج لا تلبّي احتياجات هؤلاء إلا جزئياً.

وأشار التقرير الذي أعدّه معهد التقييم والتخطيط والإحصاء والذي صدر في نهاية يونيو/ حزيران المنصرم، إلى مجموعة من المشكلات في مقدّمتها "نقص الموارد في بعض الخدمات، والتباين الكبير ما بين مختلف الجهات الفاعلة المعنيّة وبين طبيعة الدورات التدريبية المختلفة"، موجّهاً نقداً حاداً لتلك الدورات الخاصة بالوافدين الجدد التي أطلقت في عام 2016. ويلقي التقرير الضوء على مجموعة من الملفات الشائكة، لعلّ أبرزها غياب التعريف بتلك الدورات على الرغم من إلزاميتها في مناطق معيّنة. وتقول في السياق، معدّة التقرير إلسا ميسكولي، وهي متخصصة في الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية في مركز الدراسات الإثنية والهجرة في جامعة لييج، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ذلك هو أحد الإخفاقات الكبيرة. فالبلديات لا تعمد دائماً إلى تبليغ الوافدين الجدد بضرورة الالتزام بهذا المسار عندما يقدّمون طلبات للحصول على تصاريح إقامة". تضيف ميسكولي أنّ "دورة الاندماج تتطلّب 18 شهراً، ومن المفترض أن تبدأ من لحظة تقديم طلب إلى البلدية للحصول على تصريح إقامة، لأن التأخّر يفرض ضغطاً على الوافد نظراً إلى ضرورة الانتهاء في الوقت المحدد، ومن شأن ذلك أن يضعف العملية التي تهدف إلى تعريفه على البلد الجديد".

وركّز معدّو التقرير على أهداف ثلاثة حددتها الحكومة البلجيكية لدورة الاندماج وهي: تعلّم إحدى اللغات الوطنية (الهولندية والفرنسية والألمانية)، والتزوّد بمعلومات حول المجتمعَين البلجيكي والأوروبي، وتعزيز التكامل الاجتماعي والمهني. مع البحث عن العقبات التي واجهها تحقيق هذه الأهداف. فتقول ميسكولي: "أوّلاً، إذا كان التدريب من أجل المواطنة أداة جيدة لفهم المجتمع، فإنّه لا يُطبَّق بشكل كافٍ. تعلّم شيء ما في الفصل وتطبيقه في الحياة اليومية عمليتان مختلفتان. على سبيل المثال، يُصار إلى تدريس النظام الصحي في بلجيكا، لكنّ الاحتياجات الأساسية الأخرى للأشخاص المعنيين لا تُقدّم بطريقة منهجية، من قبيل موضوع الصحة النفسية أو البحث عن سكن. بالتالي فإنّ المقرّر يفرض أولويات ليست خاصة بهؤلاء الأشخاص في الوقت الحالي. فبالنسبة إلى شخص يعاني ضائقة نفسية أو مالية أو غير مستقر في سكنه، تعلّم تاريخ بلجيكا ليس أولوية". تضيف ميسكولي: "ثانياً، يسلّط التقرير الضوء على ضعف دورات اللغة. نظراً إلى عدم مراعاة الاختلافات في اللغات الأصلية أو مستوى القراءة والكتابة، فإنّ التدريب اللغوي يأتي غير مناسب في بعض الأحيان. ثالثاً، ثمّة عقبات أمام التكامل الاجتماعي وكذلك المهني، من قبيل التمييز أو صعوبة الحصول على معادلة للشهادة أو استخدام المهارات المكتسبة في الخارج. وفي النتيجة، يُجبر الوافدون الجدد في معظم الأحيان على إعادة توجيه أنفسهم إلى قطاعات أخرى على الرغم من قدراتهم وعلى حساب مشروع حياتهم".




وتلفت ميسكولي إلى عراقيل أخرى، قائلة إنّ "عملية الاندماج لا تقتصر على متابعة دورة في اللغة أو في المواطنة. دورة الاندماج أداة مفيدة غير أنّها ليست غاية في حدّ ذاتها. في الواقع، لا يمكننا التحدّث عن الاندماج من دون التحدّث عن مجتمع متكامل يتيح الفرص أمام الناس. التكامل الاجتماعي وكذلك المهني لا يكونان فعالَين من دون مكافحة التمييز أو من دون الحصول على وظيفة". وتؤكد أنّه "حتى يكون مسار التكامل الاجتماعي والمهني فعالاً تماماً، ينبغي أن يقترن بإجراءات أخرى لإزالة العقبات التي وضعها المجتمع المضيف". يُذكر أنّ معدّي التقرير قدّموا مجموعة من التوصيات في هذا السياق، من قبيل تعزيز أدوات التنوّع الثقافي ووضع إجراءات فعّالة للتعرّف على مهارات الوافدين الجدد.

تجدر الإشارة إلى أنّه في أعقاب سلسلة التفجيرات الإرهابية التي طاولت بلجيكا في مارس/ آذار من عام 2016، دعا السياسيون البلجيكيون بمعظمهم، إلى جعل مسار الاندماج إجباريا للوافدين الجدد بعدما كان اختيارياً. وابتداءً من عام 2020، سوف يتوجّب على هؤلاء الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً وتقلّ عن 65، والذين يقيمون في أيّ من مناطق بلجيكا ويحملون بطاقة إقامة لمدّة تقل عن ثلاثة أعوام وتصريح إقامة ساري المفعول لأكثر من ثلاثة أشهر، الانضمام إلى إحدى دورات التدريب التي تشرف عليها منظمات مدنية.

وتضمّ الدورة برنامج استضافة يُترك لتقييم مراكز الاستقبال مع الشخص المعني، بحسب احتياجاته لجهة السكن والدخل والرعاية الصحية والتكامل الاجتماعي والتكامل المهني ورعاية الأطفال والتعليم. كذلك، يزوّد الوافد الجديد بمعلومات حول حقوقه وواجباته كمقيم في البلد، بالإضافة إلى تدريب أساسي على اللغة ومعلومات حول المواطنة. وفي نهاية الدورة، يحصل الوافدون الجدد على شهادة تسمح لهم بتقديم طلب الحصول على الجنسية والاستفادة من خدمات أخرى. أمّا عدم متابعتها، فيستوجب غرامة تتراوح ما بين 100 يورو و2500.




في سياق متصل، يقول الخبير في الشؤون الداخلية باسكال دو خنت لـ"العربي الجديد" إنّ "عملية الاندماج لم تفشل. ما فشل هو الطريقة التي صمّمت بها من قبل السلطات البلجيكية، مع نتيجة واضحة وهي الاتجاه نحو الانطواء على الهوية من قبل المجتمع المضيف من جهة والمهاجرين من جهة أخرى". يضيف: "لذا، قد يكون تقديم دورات اندماج للوافدين الجدد أداة مفيدة، لكنّها لا تجزم بأنّ الاندماج سوف يكون ناجحاً، إذ إنّ ذلك يعتمد على عوامل أخرى، ولعلّ أبرزها الإرادة السياسية الحقيقية للعمل على بناء مجتمع يمكن للجميع أن يجدوا فيه مكانهم بصرف النظر عن ثقافتهم الأصلية".

المساهمون