جامعات السودان... الأزمة ترسم مصيراً مجهولاً للطلاب

جامعات السودان... الأزمة ترسم مصيراً مجهولاً للطلاب

30 يونيو 2019
الشارع بدلاً من الجامعة (ديفيد ديغنر/ Getty)
+ الخط -

تواجه الدراسة في الجامعات السودانية مصيراً مجهولاً، في ظل الإغلاق المستمر منذ أواخر العام الماضي، نتيجة للحراك الثوري في البلاد الذي خلق أزمة سياسية عميقة بين المجلس العسكري والمعارضة، أفرز هو الآخر توتراً أمنياً نسبياً

تتباين الرؤى بين السودانيين بمن فيهم الطلاب أنفسهم، حول استمرار قرار إغلاق الجامعات منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بسبب الأزمة السياسية التي توالت فصولها. فالطلاب يوازنون ما بين نظرتهم إلى مستقبلهم العلمي والمهني، وما بين الظروف السياسية والأمنية في البلاد التي قد تعرض حياتهم للخطر.

الطالبة إيثار أحمد بابكر، تمكنت العام الماضي، تحديداً في الثلاثين من شهر سبتمبر/ أيلول، من دخول الجامعة، في كلية المختبرات الطبية، لكن لم تُكمل شهرها الثالث حتى اندلعت أقوى التظاهرات والاحتجاجات ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير للمطالبة بسقوطه.




شارك فيها طلاب الجامعات في الاحتجاجات منذ بدايتها، ما اضطر نظام البشير إلى إصدار قرار بإغلاق الجامعات الحكومية والخاصة كافة. وبعد أشهر من ذلك، سمحت وزارة التعليم العالي لبعض الجامعات الخاصة باستئناف الدراسة، وهذا ما رفضه الطلاب فتمنّعوا حتى عن أداء الامتحانات، وأصرّوا على الخروج إلى الشوارع للانضمام إلى الثورة بدلاً من مقاعد الدراسة، ما أدى إلى وقوع ضحايا، أشهرهم الطالب محجوب التاج الذي قتل أثناء تظاهرات بجامعة "الرازي". دفعت هذه الحادثة إدارات الجامعات الخاصة إلى إصدار قرارات جديدة بتعليق الدراسة، انتظاراً لما سيحدث من تطورات سياسية تعيد الهدوء للشارع السوداني.

لكن في الآونة الأخيرة، بدأ تململ وسط طلاب الجامعات وأسرهم، بسبب طول فترة الإغلاق التي تجاوزت نصف عام. وتقول بابكر لـ"العربي الجديد" إنّها شاركت في الثورة التي نجحت في إسقاط البشير، ومن بعده نائبه عوض بن عوف، مشيرة إلى أنّها لم تعترض على ضياع نصف عام من دراستها كان كفيلاً بإنهاء عامها الدراسي الأول، لكنّها لا تستطيع أن تتحمل الثمن أكثر، ولا سيما أنّ المشهد السياسي يدخل على تعقيدات عميقة، ومن الصعب انتظار الحلول، ثم التفكير في فتح الجامعات. تشير بابكر إلى أنّها تعيش فراغاً اجتماعياً ونفسياً نتيجة البقاء في المنزل من دون أيّ مهمة.

من جانبه يقول محمد، وهو طالب سوري يدرس في قسم تقانة الأسنان، إنه واحد من أكثر المتضررين من جراء قرار إغلاق الجامعات، إذ لم تبقَ له منذ ديسمبر الماضي غير مادّتين للتخرج، لا تحتاجان لأكثر من 3 أشهر. يقول لـ"العربي الجديد" إنهم انتظروا طوال الأشهر الماضية هدوء الأوضاع، وإنه يشعر بخيبة أمل كبيرة نتيجة استمرار إغلاق الجامعة. يضيف محمد الذي فضل عدم ذكر اسمه كاملاً، أنّ إدارة الجامعة قررت استئناف الدراسة بدءاً من هذا الأسبوع، لكنّه يبدي خشيته من رفض الطلاب السودانيين الفكرة، لمواصلة ثورتهم، مشيراً إلى أنه في هذه الحالة سيكون مضطراً للوقوف مع زملائه السودانيين.

وصلت أصداء الاحتجاجات السودانية إلى البيت الأبيض (فرانس برس) 












في المقابل، يختلف الطالب حسن عبد الرحمن، من كلية الزراعة في جامعة "الجزيرة" مع أقرانه، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ الطلاب السودانيين جزء أصيل من الثورة، وهم من رفعوا أشهر شعار ما زالوا متمسكين به، وهو "لا تعليم في وضع أليم" وهو شعار يؤمنون به ما لم تحقق الثورة أهدافها الأساسية. يتابع أنّها "ثورة من أجل تعليم أفضل للأجيال المقبلة"، مشدداً على أهمية إغلاق الجامعات حتى ينجز الطلاب ما تبقى من ثورتهم.

أما الفاتح عبد القادر الذي تدرس كبرى بناته في الجامعة، فيؤيد ما ذهب إليه عبد الرحمن لكن بمبرر مختلف، فهو يخشى في حديث إلى "العربي الجديد" على حياة ابنته، بسبب المظاهر العسكرية غير المنضبطة في الشارع السوداني هذه الأيام، مفضلاً ألّا يُتخذ قرار باستئناف الدراسة إلا بعد هدوء الأوضاع تماماً.

من جهته، يعتبر الأستاذ الجامعي محمد عثمان دبايوا، أنّ جامعات خاصة يدرس فيها مئات من الطلاب الأجانب ويدفعون تكاليف دراستهم بالعملات الأجنبية، تضررت هي الأخرى من استمرار قرار الإغلاق. يوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ أغلب أولئك الطلاب فضلوا العودة إلى بلدانهم، ويرجح عدم عودتهم بل البحث عن جامعات بديلة، ما يؤثر على سمعة الجامعات السودانية، التي صارت في السنوات الأخيرة قبلة لكثير من الأجانب. يضيف دبايوا، أنّ طلاب السنوات الأخيرة كان من المفترض أن يواصلوا الدراسة حتى يتمكنوا من التخرج واللحاق بسوق العمل، ولا سيما أنّ أسرهم في أشد الحاجة إلى توظيفهم لمساعدتها من خلال دخلهم.

يلفت الخبير في مجال التربية والتعليم حسين الخليفة، إلى أنّ طلاب السنة الأولى في الجامعات السودانية لم يتعلموا غير أشهر قليلة، بينما حان الوقت مجدداً لدخول دفعة جديدة من خلال فتح باب القبول إلى الجامعات، بعد إعلان نتيجة شهادة الثانوية العامة السودانية، ما يسبب بحسب تقديره تكدساً كبيراً للطلاب، وهو الأمر الذي سيخلق أزمات طلابية وإرهاقاً لإدارات الجامعات. يوضح الخليفة لـ"العربي الجديد"، أنّ عدم التحاق الطلاب المفترض تخرجهم بسوق العمل، ينعكس بشكل سلبي على التنمية في البلاد، بالإضافة إلى الأزمة الاجتماعية المتمثلة في بقاء الطلاب في المنازل، حيث يعيشون حالة من الفراغ قد تدفعهم نحو المخدرات والخمور كما يقول، وخصوصاً بعد فضّ الاعتصام حول محيط قيادة الجيش ومدن أخرى، وهو الذي كان يمثل ملجأً للشباب طوال الأشهر الماضية. ويوضح أنّ بعضهم لجأ إلى امتهان مهن هامشية، مثل بيع المناديل الورقية في شوارع الخرطوم وغيرها من الأعمال البسيطة.

لكن الصحافي عمرو شعبان، يرى أنّه بعد "مجزرة فض الاعتصام" في 3 يونيو/ حزيران الجاري، التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص "لم تبقَ معركة غير معركة الكرامة، وبعد الانتهاء منها تعود كلّ الأمور الأخرى المرتبطة بحياة السودانيين ومصالحهم وتعليمهم إلى حالتها الطبيعية"، كما يقول لـ"العربي الجديد".




أما عز العرب حمد النيل، عضو تحالف قوى الحرية والتغيير، الدينامو المحرك للشارع السوداني فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّهم إذا ما نظروا إلى قضية فتح الجامعات من ناحية براغماتية فإنّ النتيجة ستكون لصالحهم، لأنّهم في القوى، على يقين من أنّ عودة الطلاب إلى جامعاتهم ستشكل رافداً جديداً للحراك الثوري الحالي. لكنّه يشير إلى أنّه من ناحية موضوعية ومنطقية، يبقى من الصعب اتخاذ القرار في ظل الأجواء السياسية الملغومة. يقترح انتظار جهود المبادرات السياسية الحالية، الساعية للتقريب بين أطراف الأزمة السودانية، وهو أمر متى نجح فسيلقي بظلاله الإيجابية على مجمل الحياة في السودان. ويؤكد حمد النيل أنّ صدور أيّ قرار دون تروٍّ سيقود إلى مخاطر عديدة، من بينها مخاطر تتعلق بحياة الطلاب أنفسهم، ولا سيما أنّ الأيام الماضية أثبتت استرخاص إزهاق الأرواح، مستشهداً بما حدث في عملية فضّ الاعتصام.

المساهمون