أزمة سكانية في دول الاتحاد الأوروبي الجديدة

أزمة سكانية في دول الاتحاد الأوروبي الجديدة

23 يونيو 2019
انخفاض عدد السكان يعود كذلك إلى الهجرة (هريستو روسيف/Getty)
+ الخط -

ينخفض عدد السكان في الدول التي انضمت حديثاً إلى الاتحاد الأوروبي، والتي لم تشهد تحسّناً في مستويات المعيشة، على عكس ما تشهده الدول قديمة العضوية، ما يعكس فوارق كبيرة بين دول الاتحاد.

خلال ثلاثين عاماً، فقدت الدول الأعضاء الجديدة في الاتحاد الأوروبي أكثر من ثمانية ملايين نسمة، في حين أنّ الانضمام إلى الاتحاد لم يحقّق الوعود بالتعجيل في رفع مستويات المعيشة، بحسب تقرير أعدّه مركز دراسات السياسة الأوروبية بالتعاون مع مجموعة من المراكز الأوروبية الأخرى، بطلب من رومانيا التي ترأس حالياً الاتحاد الأوروبي. 

يفيد التقرير بأنّ عدد سكان رومانيا انخفض بنحو أربعة ملايين نسمة، مقارنة بما كان عليه الحال في نهاية الحقبة الشيوعيّة. وخلال ثلاثين عاماً، فقدت دول البلطيق ربع سكانها. وشهدت بلغاريا انخفاض عدد سكانها بنسبة 20 في المائة، في وقت يعد الانخفاض محدوداً في المجر. وتمكنت بولندا من تحقيق الاستقرار في ما يتعلق بعدد سكانها. في المقابل، شهدت جمهوريات تشيكيا وسلوفينيا وسلوفاكيا نمواً سكانياً محدوداً. منذ سقوط الشيوعية، فقدت الدول الأعضاء الإحدى عشر الجديدة في وسط وشرق أوروبا أكثر من ثمانية ملايين نسمة، في حين ارتفع عدد سكان الأعضاء الخمسة عشر القديمة في الاتحاد خلال الفترة نفسها بـ 43 مليون نسمة.

ويقول ستيفان بلوكمانس، من مركز دراسات السياسة الأوروبية، لـ "العربي الجديد": "في شرق أوروبا، كانت بداية التسعينيات نقطة تحول. النمو الطبيعي للسكان الذي تباطأ، كما هو الحال في غرب أوروبا في بداية الثمانينيات، واصل الانخفاض بشكل حاد ولن يتعافى. في جمهوريات تشيكيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، سيظل النمو الطبيعي إيجابياً بعض الشيء، في حين تظل النسبة قريبة من الصفر بالنسبة لبولندا. وفي المجر، بدأت هذه الظاهرة قبل عشر سنوات. كما أن الولادات في كل من رومانيا وبلغاريا، خلال السنوات الأخيرة، أقل من الوفيات". ويتحدث عن عامل آخر يسبّب هذا الانخفاض الحاد في عدد السكان، "هو الهجرة الكبيرة إلى الغرب. هاتان الظاهرتان ما زالتا حاضرتين اليوم، بعد عشرة أو خمسة عشر عاماً من انضمام هذه البلدان إلى الاتحاد الأوروبي".




في التسعينيات، كان التحول إلى الرأسمالية سبباً في كلفة اقتصادية واجتماعية كبيرة. ووصل التراجع في الناتج المحلي الإجمالي من 20 إلى 40 في المائة، في مقابل نحو 5 في المائة فقط في منطقة اليورو خلال فترة الركود 2008 - 2009. "في مثل هذا الوضع، يتردد بعض المواطنين في إنجاب الأطفال، والبعض الآخر يختار الهجرة"، بحسب التقرير.

تشير الدراسة إلى أن حرية الحركة في قلب المشروع الأوروبي اتخذت، في جزء كبير من الدول الأعضاء الجديدة، أبعاداً هائلة خلال السنوات العشر الأخيرة. ويفسّر بلوكمانس أنّ "نحو 20 في المائة من الرومانيين يعيشون في دولة عضو أخرى، وتتراوح النسب المئوية ما بين 10 و15 في المائة في لتوانيا وكرواتيا ولاتفيا وبلغاريا. كما أنها أعلى بكثير في بولندا والمجر مقارنة بالدول الأعضاء القديمة، إذ تتراوح النسبة من 1 إلى 1.3 في المائة في الدول الكبرى، كألمانيا والمملكة المتحدة والسويد وفرنسا، ونحو 3 في المائة بالنسبة للبلدان الصغيرة، مثل بلجيكا أو هولندا". يضيف: "تمثل الرواتب في غالبية هذه البلدان، وبحسب إحصائيات رسمية، ما بين ثلث ونصف أجور الدول الأعضاء القديمة، على الرغم من إعادة تقييم الاقتصاد خلال السنوات الأخيرة، بسبب نقص القوى العاملة والنضال من أجل زيادة الرواتب، الذي تم عبر إضرابات كبرى". وبحسب التقرير نفسه، "إذا كان الروماني يتقاضى راتباً أفضل مما كان عليه قبل عشر سنوات، فإن الراتب الذي يتقاضاه في بلده لا يكاد يعادل 60 في المائة من الراتب في إيطاليا، ما أدى إلى هجرة كثيرين. لذلك، ما زلنا بعيدين عن المستوى الذي سيجعل الهجرة أقل جاذبية".

وتقلق ظاهرة الهجرة، بسبب حجمها واستمرارها، العديد من المسؤولين السياسيين في شرق أوروبا. يقول الخبير في الشؤون الأوروبية، دومينيك بيرنز، لـ "العربي الجديد": "أولئك الذين يغادرون هذه البلدان في معظم الأحيان هم الشباب والمؤهلون. إضافة إلى الانخفاض الطبيعي للسكان، تساهم الهجرة في شيخوخة المجتمع وانخفاض عدد السكان النشطين، مع ما يترتب على ذلك من انخفاض في النمو والقدرة على تمويل الإنفاق العام ورواتب التقاعد". ويرى أن "الموضوع حساس، لأنه يشكك في الفكرة الراسخة التي مفادها أن حرية حركة السلع والخدمات ورأس المال والعمال هي مفتاح تقدم بلدان أوروبا الشرقية السابقة. وفي حال حددنا الخاسرين في عملية ضم هذه البلدان، يمكن أيضاً معرفة الفائزين".




يضيف بيرنز: "تعد بولندا ورومانيا الدولتين اللتين تتكفلان بخدمات الهاتف المحمول داخل الاتحاد الأوروبي. والبلدان الرئيسية المستفيدة هي المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا. في حين جذبت بريطانيا خريجي التعليم العالي والجامعي من هذه البلدان، وإيطاليا ذوي المؤهلات المنخفضة أو المتوسطة. وتمكنت ألمانيا من تعويض الانخفاض الديموغرافي الطبيعي الذي يهدد وضعها كقوة اقتصادية رائدة في أوروبا. فقد سجل مكتب الإحصاء الألماني بين عامي 2008 و2017 تدفق نحو ثلاثة ملايين مهاجر من داخل أوروبا، ثلثاهم من وسط وشرق أوروبا. أما البقية، وبشكل رئيسي بعض الخريجين الجامعيين من دول منطقة اليورو الجنوبية، أي إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان". ويساهم جميع هؤلاء المهاجرين في تنمية الثروات وتمويل البنى التحتية العامة والضمان الاجتماعي والرواتب التقاعدية في البلدان المضيفة، في حين يتحمل بلدهم الأصلي كلفة تكوينهم.