سياسة في مقاهي الجزائر الرمضانية

سياسة في مقاهي الجزائر الرمضانية

03 يونيو 2019
تغيرت الأحاديث (العربي الجديد)
+ الخط -


تختلف سهرات رمضان في الجزائر هذا العام عما سبق، إذ تخيم رائحة السياسة على الأحداث اليومية، فتأخذ حيزاً مهماً من أحاديث المواطنين في المقاهي

تمثل المقاهي ومحلات الشاي الفضاءات الجاذبة للكهول والشباب والوجهة الأولى للجزائريين بعد الإفطار، أو عقب صلاة التراويح، في شهر رمضان. تبدأ السهرات حول موائد القهوة والشاي والحلويات هناك، ويدور الكلام عادة في شؤون كرة القدم والمسلسلات التلفزيونية، لكنّ أحاديث السياسة والحراك الشعبي وخلع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ووضع الحكم الحالي، تطغى على كلّ ما غيرها.

في كلّ المدن الجزائرية تستعد المقاهي مبكراً للسهرات، فقبيل الإفطار بقليل يلتحق العمال بالمقهى للتنظيف وتحضير الكراسي وتجهيز آلة القهوة والشاي والحلويات وما إلى ذلك. ومن ناحيتهم، فإنّ كثيراً من الصائمين يفطرون سريعاً، ويهرعون الى المقهى لتناول قهوة مركزة مع سيجارة تنسيهم هموم يوم كامل من العمل والصيام. وشيئاً فشيئاً بعد الإفطار تبدأ المقاهي في استقبال الزبائن، فيجتمع الأصدقاء في مجموعات على طاولات القهوة والشاي والمكسرات والحلويات، خصوصاً مع تحول تلك الطاولات إلى فضاءات سياسية بامتياز، على علاقة بالتطورات السياسية منذ فبراير/ شباط الماضي، مع توالي المسيرات الشعبية المناوئة للسلطة.



يقول محمد أمين مخلوفي وهو أحد زائري مقهى شعبي في حي المدنية في أعالي العاصمة الجزائرية، لـ"العربي الجديد" إنّ أحاديث السياسة سيطرت بالدرجة الأولى على نقاشات الزبائن في المقاهي، تليها القضايا الاجتماعية كأسعار الخضر والفواكه وملابس العيد ثم البرامج الفكاهية.

يقول هشام لـ"العربي الجديد" وهو طالب جامعي اعتاد على إمضاء أيام الشهر في مقهى "النجمة" بالأبيار بقلب العاصمة الجزائرية، إنّ ما يجري في الجزائر من محاكمات يلفت الانتباه، إذ هي في نفس الوقت "أحداث متسارعة ولم تكن في البال أو الحسبان".

كرة القدم جزء من الأحاديث (العربي الجديد) 


بعض زائري المقاهي يطرحون هموماً أخرى، وأحاديثهم تتعلق بـ"الأسعار المرتفعة واقتراب عيد الفطر" ومنهم من هو مشغول بتحضيرات الأبناء لامتحانات نهاية السنة. انعكست الظروف السياسية والاجتماعية على تعاملات ومواقف الجزائريين في الشهر الفضيل، إذ باتت المقاهي عبارة عن حلقات للتوعية والمناقشات اللطيفة أحياناً والعنيفة في أحيان أخرى، والكلّ يتباهى باستراقه لمعلومة ما حول "عصابة الفساد" ورموز النظام السابق. نقاشات حادة، تعلو فوقها صيحات من هنا وهناك، فالبعض يقول إنّ "أحمد أويحيى رئيس الوزراء السابق سيحاكم خلال أيام" والبعض يقول: "لا توجد محكمة لمحاكمته في القانون الجزائري" والبعض يرى أنها "لعبة، فلنغير الموضوع حول بطولة كرة القدم أفضل" يقول الهادي لصديقه بلقاسم. ويضيف لـ"العربي الجديد": "تعبت رؤوسنا من أحاديث السياسة، وتعبت قلوبنا من الأخبار والأرقام الفلكية التي تحصلت عليها رؤوس الفساد من الخزينة العامة في شكل مشاريع، والمواطن هو الضحية في النهاية".

عادة يومية في ليل رمضان (العربي الجديد) 


بالرغم من طغيان السياسة، فإنّ كرة القدم لم تغادر ساحة أحاديث المقاهي، خصوصاً أنّ الأيام الأخيرة من شهر رمضان تزامنت مع إجراء آخر جولتين من جولات الدوري الجزائري والبطولات الأوروبية والأفريقية. وتعلقت الأحاديث الرياضية خصوصاً بفوز نادي اتحاد العاصمة بالدوري، بعد منافسة مشوقة ظلّت حتى آخر دقيقة من البطولة. وكثر الحديث عن كشف تفاصيل محاولة ترتيب نتائج مباراة بين نادي شبيبة القبائل ونادي قسنطينة لحرمان الاتحاد من البطولة. لكن، حتى كرة القدم في الجزائر لها علاقة بالسياسة، فقد وضعت الصدفة رئيس النادي الفائز بالبطولة اتحاد الجزائر، ورجل الأعمال علي حداد، في السجن رفقة رئيس النادي المنافس الأول على البطولة شبيبة القبائل، رجل الأعمال يسعد ربراب، بسبب قضايا فساد لها علاقة بفترة حكم الرئيس بوتفليقة.



بعض المقاهي في الأحياء الشعبية ما زالت تحافظ على عاداتها، وتتحول الى أماكن سهر للعب الورق أو الدومينو، فمقهى العناصر في حي رويسيو، وهو مقهى فريق رياضي، لا يُسمع فيه خلال سهرات رمضان، غير صراخ لاعبي الورق ونقرات حجارة الدومينو وهي تهوي على الطاولات. ويمضي بعض الزبائن وقتاً طويلاً يقترب من الفجر في اللعب قبل المغادرة استعداداً ليوم جديد من اللعب.

هكذا، فإنّ رمضان الجزائر 2019، سيظلّ راسخاً في أذهان الجزائريين. في هذا العام انتهت صورة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد 20 سنة من توليه الحكم، وفيه بدأ حصد الضالعين في الفساد. وفيه تسارعت وتيرة المحاسبات في ملفات ثقيلة. وفيه عاد الأمل للملايين بأنّ عهد تكميم الأفواه ولّى بالرغم من مختلف التجاوزات، والمناوشات الفكرية، واختلاف الذهنيات.