بازار تبريز... سوق إيراني صامد في وجه الحرائق والزلازل

بازار تبريز... سوق إيراني صامد في وجه الحرائق والزلازل

02 يونيو 2019
شتى أنواع البضائع في السوق (Getty)
+ الخط -


تمتد سمعة بازار تبريز، كأحد أبرز الأسواق في العالم، بعيداً في التاريخ، إذ إنّ الرحالة الطنجي، ابن بطوطة، ذكر أنّه من أروع الأسواق على الإطلاق. ومن المعروف أنّ البازار كان من أهم الأسواق على طريق الحرير. السوق الذي يقع في مدينة تبريز في محافظة أذربيجان الشرقية، شمالي غرب إيران، يكشف ذلك التاريخ الكبير للزائر منذ دخوله إليه، إذ تمتلئ جدرانه وسقوفه بالنقوش، كما يكشف عن تزاوج حركة التاريخ مع التجارة في الحياة البشرية على مرّ العصور.

تعرّض هذا السوق التاريخي لعدة أحداث كبيرة، منها ثمانية زلازل مدمرة، آخرها كان في عام 1780، ليقوم بعدها حاكم تبريز، نجفقلي خان دنبلي، بإعادة إعمار السوق. كذلك، تعرض لحريقين كبيرين في العصر الحديث، الأول عام 2009، والثاني في أوائل مايو/ أيار الجاري. فخلال ليل الأربعاء- الخميس، 8 و9 مايو، اشتعلت النيران عند الساعة الحادية عشرة مساء، واستمرت حتى الثانية فجراً، ملتهمة 130 محلاً تجارياً في سوق "إيكي قابيلي" الفرعي لمستحضرات التجميل، ما تسبب بخسائر مادية كبيرة، وأخرى في معالم السوق الأثرية. وقدرت الخسائر بمليون و450 ألف دولار، وفقا لإعلان مؤسسة التراث الثقافي والصناعات اليدوية والسياحة.

أرجع حاكم مدينة تبريز، بهروز مهدوي، سبب الحريق إلى تماس كهربائي في سوق "إيكي قابيلي"، كما عزاه المسؤول في العلاقات العامة بمصلحة إطفاء الحريق بمحافظة أذربيجان الشرقية، سيامك نوروزي، إلى وقوع انفجار، من دون أن يوضح طبيعته، قائلاً إنّ "نشوب الحريق في هذا السوق، ليس أمراً جديداً بسبب إنشاءاته القديمة وافتقاره إلى معايير السلامة". وأعلنت السلطات الإيرانية أنّ الحريق أدى إلى مقتل رجلين وإصابة 29 آخرين بحروق، منهم 19 من رجال الإطفاء.
حرائق تلحق بالبازار وتجاره خسائر كبيرة (عطا كينار/فرانس برس)  

أثار الحريق مخاوف خبراء الآثار، الذين حذروا من احتمال نشوب حرائق مماثلة في أسواق إيران الأثرية، خصوصاً في سوقي طهران وأصفهان، بالنظر إلى قرب حلول فصل الصيف، وفي ظلّ وجود إهمالات في تحقيق معايير السلامة في هذه الأسواق.

وفي السياق، اعتبر رئيس فريق العمل الوطني لمواجهة المخاطر البيئية والزلازل، الخبير، علي بيت اللهي، أنّ "الحفاظ على المعالم الأثرية هو من أهم واجبات الدول" قائلاً إنّه "لا ينبغي أن تكون سياساتنا في الحفاظ على هذه المعالم الثقافية القيّمة انفعالية وغير فاعلة".
البازار مركز تجاري ومحطة للتفاعل الاجتماعي  (عطا كينار/فرانس برس) 


وأضاف أنّه "من خلال اتخاذ إجراءات بسيطة بتكاليف منخفضة يمكن الحفاظ على هذه المعالم في مواجهة المخاطر" مشيراً إلى بعض تلك الإجراءات مثل "صيانة منتظمة لأجهزة إمدادات الكهرباء والغاز، وتحديد مكامن الخطر، والالتزام بمعايير السلامة عند الاحتفاظ بمواد قابلة للاشتعال، وإنشاء أنظمة الإنذار المبكر من الحريق".

يشكل بازار تبريز الكبير إحدى أهم الوجهات السياحية التي تستقبل الأجانب في إيران، كونه معلماً أثرياً فريداً. وقد دخل في قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي عام 2010، كأول سوق أثري يُسجّل في القائمة على مستوى العالم. سبق ذلك دخوله في قائمة التراث الوطني الإيراني عام 1976.
بازار تبريز أقدم الأسواق في إيران (إيريك لا فورغ/Getty) 

لا تذكر المصادر الإيرانية تاريخاً دقيقاً لوضع حجر الأساس لبناء بازار تبريز، فبعضهم يرجعه إلى بدايات العصر الإسلامي في إيران، لكنّ ورود اسمه في هذه المصادر يعود إلى القرن الرابع الهجري، ولم يسبق ذكره قبل هذا التاريخ. كذلك، فإنّ هندسة السوق المعماري الحالية تعود إلى العهد القاجاري أي قبل قرابة 200 عام، فقد شهد في هذا العهد عمليات إعمار وإنشاء على نطاق واسع.

بازار تبريز عبارة عن مجمّع أثري ضخم متعدد الأغراض على مساحة كيلومتر مربع، يضمّ أبنية مغطاة بالقرميد أو الطابوق، متصلة ببعضها بعضاً، وهو يحتضن في جنباته 20 شارعاً- سوقاً مما يعرف في الفارسية بـ"راسته بازار"، و5500 غرفة ومحل تجاري في أربعين فئة تجارية، و11 رواقاً، و20 مسجداً و9 مدارس دينية، و60 منشأة أخرى مما يعرف بالخانات والسرايات.
صناعات وحرف يدوية موجودة في بازار تبريز  (بهروز مهري/فرانس برس) 

يتبين من تركيبة السوق أنّه منظومة متكاملة، لا تقتصر وظيفتها على الأنشطة التجارية فحسب، بل تمارس إلى جانبها الأنشطة الثقافية والاجتماعية والدينية في فضاء معماري تاريخي، وهذا ينسجم مع تاريخ تبريز على مرّ العصور القديمة، إذ كانت ملتقى للتبادل الثقافي، فضلاً عن التجاري.

حظيت مدينة تبريز وأسواقها الكبيرة باهتمام بالغ في القرن الثالث عشر الميلادي بعدما اتخذتها الدولة الإلخانية (مغول فارس) عاصمة لها، إلى أن بلغت ذروة الازدهار والاهتمام حينما أصبحت عاصمة للدولة الصفوية في القرن السادس عشر. وبعد نقل الصفويين عاصمتهم إلى قزوين ثم أصفهان، لم تفقد المدينة موقعها التجاري، فظلت أسواقها تحافظ على مكانتها كأحد أهم المراكز التجارية في إيران.

المساهمون