جرائم باسم "الزي العسكري" في العراق

جرائم باسم "الزي العسكري" في العراق

19 يونيو 2019
هنا تستطيع شراء ملابس عسكرية (صباح عرار/ فرانس برس)
+ الخط -

تتزايد المطالبات في العراق بوضع حدّ وقيود لاستخدام الأفراد الزيّ العسكري، غير أنّ الحكومات المتعاقبة لطالما وقفت عاجزة أمام اتّخاذ أيّ إجراء حازم في هذا الخصوص، الأمر الذي يثير مزيداً من الفوضى في البلاد

منذ 16 عاماً، تاريخ الغزو الأميركي للعراق، يُسجَّل انفلات متعلّق بالزيّ العسكري في البلاد، الأمر الذي يُعدّه المعنيون مشكلة معقّدة لم تستطع الجهات الحكومية وضع حدّ لها بعد. العصابات الخارجة عن القانون والمليشيات في العراق استطاعت أن تحقق استفادة كبيرة من الزيّ العسكري، إذ إنّه كان وما زال يحصّنها من المحاسبة. وهو كذلك منحها الفرصة لتنفيذ جرائمها وعبثها بأمن المواطنين مستفيدة من "زيّ الدولة" الرسمي.

وتُسجَّل منذ عام 2003 وما تلاه من أعوام الانفلات الأمني في العراق، آلاف الانتهاكات من قتل وخطف وسطو مسلح وسلب لحقوق المواطنين البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة أمام العصابات المرتدية زيّاً عسكرياً والتي تنفّذ جرائمها على مرأى القوات الأمنية الرسمية ومسمعها. وهو ما يؤكده مسؤول أمني رفيع المستوى قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "الزيّ العسكري يُستخدم في أكثر من 60 في المائة من الجرائم التي تسجّل في المحافظات العراقية". ويشرح أنّ "العصابات المنتشرة في العراق تنّفذ عملياتها الإجرامية بذلك الزيّ ويحمل أفرادها أسلحتهم أمام أنظار الأجهزة الأمنية التي لا تستطيع محاسبتهم، ظنّاً منها أنّهم عناصر أمن".

يضيف المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن هويته أنّ "التحقيقات التي تجري حول تلك الجرائم لا تتوصّل إلى اكتشاف حقيقة المنفّذين إلا بعد أشهر عدّة"، لافتاً إلى أنّ "الأهالي من ذوي الضحايا يقدّمون بلاغات عن اعتقال أبنائهم من قبل أفراد بزيّ جهاز أمني معيّن، وبعد بحث ومتابعة على مدى أشهر يتبيّن أنّ المجرمين أفراد عصابة استخدموا الزيّ العسكري، بالتالي لا يمكن الوصول إليهم. وتنتهي بالتالي التحقيقات بمعظمها وقد قُيّدت ضدّ مجهولين".



ويتنقل أفراد العصابات بالزيّ العسكري في عموم المناطق العراقية من دون أيّ مخاوف، إذ إنّهم بحسب ما يراهم الجميع عناصر أمن يهدفون إلى تطبيق القانون، حتى الحواجز الأمنية لا تستطيع منعهم من دخول أيّ منطقة أو الخروج منها. يقول في السياق النقيب علي الغريري، وهو ضابط عند حاجز أمني في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "من حقّ الحاجز الأمني إيقاف أيّ عجلة (مركبة) عسكرية أو مدنية تمرّ عبر الحاجز، والتأكد من أوراقها وهوياتها الثبوتية".

يضيف الغريري: "لكنّه من غير الممكن كشف تلك العصابات إذ إنّ زيّها عسكري وأسلحتها عسكرية وعجلاتها عسكرية، وفي بعض الأحيان مدنية، ولا يوجد قرار يمنع مرور العسكريين بسيارات مدنية. بالتالي نتعامل معها كأجهزة دولة رسميّة تتحرك في إطار مهمات رسمية، لكنّنا قد نتلقّى بلاغات لاحقة تفيد بأنّها عصابات ارتكبت جرائم وغادرت المنطقة المعنية". ويشدّد الغريري على أنّه "لا يجوز إلقاء المسؤولية على كاهلنا كأجهزة أمن، فالموضوع برمّته عائد إلى الحكومة التي يتوجّب عليها اتخاذ تدابير لمنع تحرّك تلك العصابات بالزيّ العسكري وإصدار قرارات رسمية وتوجيهات لنا لنتصرّف على أساسها. عند ذاك، نتحمّل نحن مسؤولية أيّ تقصير قد يحدث".

ولا يحمي الزيّ العسكري العصابات الخارجة عن القانون فحسب، بل يوفّر حماية لمليشيات منفلتة تنفّذ أجندات إجرامية في داخل المدن. ووسط مطالبات بأن يمثّل هذا الزيّ سلطة الدولة حصراً، يحمّل عضو التيار المدني، فالح الشمري، الحكومة "مسؤولية انتشار الملابس العسكرية في الأسواق، وعدم وضع ضوابط تمنع استعمالها من قبل العصابات والمليشيات". يقول الشمري لـ"العربي الجديد" إنّه "لا يمكن للحكومة أن تقبل بهذه الحال، بعد 16 عاماً. لا بدّ من أن تضع عقوبات صارمة على من يرتدي الزيّ العسكري وهو لا يمثّل أيّ جهة عسكرية"، مشدداً على أنّ "بقاء الوضع على ما هو عليه وعدم اتخاذ قرارات تنظّم استخدام الزيّ العسكري من قبل أفراد مدنيين، هو بمثابة دعم حكومي للعصابات والمليشيات بارتكاب جرائمها".



وتُسجَّل في المحافظات العراقية، بصورة شبه يومية، جرائم تنفّذها عصابات ومليشيات ترتدي الزيّ العسكري، الأمر الذي حوّل رجل الأمن إلى عنصر رعب للمواطن، نظراً إلى عدم القدرة على تمييز أفراد العصابات عن عناصر الأجهزة الرسمية. فيقول علي سلمان، وهو من أهالي سامراء في محافظة صلاح الدين (وسط)، لـ"العربي الجديد": "لا نشعر بالأمان المطلق عندما نرى عناصر الأمن. ما عانيناه من قبل العصابات المسلحة بالزيّ العسكري أفقدنا الثقة بكلّ أجهزة الدولة الأمنية". ويشير إلى أنّ "الإهمال الحكومي لهذا الملف تسبّب في مئات الجرائم وضياع حقوق المواطن". تجدر الإشارة إلى أنّ الملابس العسكرية في العراق تُباع على الأرصفة وفي المحال التجارية، ويحقّ لأيّ شخص غير عسكري شراؤها من دون أيّ ضوابط، في حين تستفيد العصابات من التزوير للاستحصال على هويات رسمية غير صحيحة تسهّل عملها.