لا كراهية تجاه اللاجئين السوريين في الأردن

لا كراهية تجاه اللاجئين السوريين في الأردن

13 يونيو 2019
ينتظرون دورهم أمام مكتب للتوظيف بمخيّم الزعتري (فرانس برس)
+ الخط -

مع بداية الأزمة السورية في عام 2011، حرص الأردن - الرسمي والشعبي - على التعامل مع اللاجئين السوريين كضيوف وأهلٍ هربوا من قمع النظام في وطنهم إلى مناطق أكثر أمناً. كان التصوّر حينها أنّ ذلك الوضع مؤقّت ولن يطول. لكن مع تفاقم الأوضاع الأمنية أكثر فأكثر واستمرار القمع وتعاظم أزمة اللجوء، كثر هؤلاء الهاربون من أتون الحرب في سورية إلى الدولة الجارة الغارقة في أزمة اقتصادية خانقة. فشعر جزء من الأردنيين بأنّ اللاجئين السوريين سوف يشاركونهم فرص العمل الشحيحة، خصوصاً بعدما منح أرباب عمل كثيرون هؤلاء اللاجئين الأولوية في التوظيف، إذ إنّهم تجّار مهرة ويد عاملة رخيصة.

في ظل التنافس بين اللاجئ السوري والمواطن الأردني، سُجّلت مواقف مختلفة. ثمّة أردنيون بقوا يرحّبون باللاجئين السوريين كأشقاء لا بدّ من تقاسم لقمة العيش معهم إلى حين انتهاء أزمتهم وإن طالت، أمّا آخرون فرأوا فيهم تهديداً لمصدر رزقهم. يُذكر أنّه على الرغم من التنافس، فإنّ الأردن لم يشهد خطاب كراهية واسع النطاق ضدّ اللاجئين، ولم تتحوّل التجاوزات المسجّلة بحقّ اللاجئين إلى ظاهرة مجتمعية، بل بقيت باختلاف أشكالها حالات فردية.

لا شكّ في أنّ ثمّة أعباءً وتداعيات اقتصادية وأمنية فرضها تدفّق مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى عدد من المحافظات الأردنية، إلا أنّ الوجود السوري لا ينطوي على جوانب سلبية فقط. فقطاعات واسعة من الاقتصاد الأردني استفادت بشكل مباشر أو غير مباشر من تزايد الطلب على السلع والخدمات، فضلاً عن تدفّق المساعدات الخارجية من الدول المانحة بشكل غير مسبوق. وتلخّص تصريحات رئيس الوزراء الأردني، عمر الرزاز، في خلال إطلاق الحكومة الأردنية خطة الاستجابة الأردنية للأزمة السورية لعام 2019، الخطاب الرسمي المتوازن الباحث عن تمويل المانحين من دون إغفال الواقع الإنساني. هو قال إنّ "الدول التي تستقبل اللاجئين لفترات طويلة تسهم بحجم كبير من مواردها الذاتية لتغطية تكاليف استضافتهم على أراضيها"، مؤكداً أن "الأردن ملتزم بالوفاء بالتزاماته الإنسانية، خاصة تجاه اللاجئين السوريين، مثلما فعل دائماً مع أولئك الذين لجأوا إلى الأردن لعقود طويلة"، مطالباً المجتمع الدولي بأن "يستمر في تقديم الدعم للأردن كجزء من المبدأ الدولي للتقاسم العادل للأعباء".

ورشة عمل للاجئات في مخيّم الزعتري (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

في السياق، يقول المتخصص في علم الاقتصاد الاجتماعي حسام عايش لـ"العربي الجديد" إنّ "الوجود السوري المنضبط في الأردن لم يخلق ردود فعل سلبية وعنصرية جماعية تجاه اللاجئين"، لكنّه يلفت إلى أنّ "الوجود السوري في الأردن له آثاره الإيجابية كما السلبية". يضيف أنّه "لا شكّ في أنّ الوجود السوري أحدث حالة جديدة في الأردن"، شارحاً أنّ "وجود مثل هذا العدد من اللاجئين والبالغ مليونا وربع المليون لاجئ سوري له آثاره على الموارد والبنى التحتية والأمن الاجتماعي الاقتصادي، خصوصاً إذا طال". ويتابع عايش أنّه "في حال استمرار هذا الوجود طويلاً، يفترض دمج اللاجئين في المجتمع وعدم إبقائهم كمستهلكين، من خلال الاستفادة منهم كطرف منتج"، مشيراً إلى أنّ "اللجوء على الرغم من السلبيات خلق اقتصاداً موازياً في أماكن وجود هؤلاء، خصوصاً المحافظات الشمالية".

ويؤكد عايش أنّ "المنح والهبات الدولية التي وصلت إلى الأردن مهمّة اقتصادياً، وقد بلغت في عام 2017 حوالي 60 في المائة ممّا وعدت به الدول المانحة. وهي تأتي على ثلاثة مستويات، هي دعم الخزينة الأردنية مباشرة، ودعم المجتمعات المضيفة، بالإضافة إلى الدعم الذي يصل إلى اللاجئين مباشرة. وهذا الأمر جعل الوجود السوري نافذة اقتصادية للأردن". ويكمل عايش أنّ "مواقف الأردنيين أتت متباينة حول اللاجئين، إذ إنّها كانت مرحّبة حيناً ومحايدة في بعض الأحيان ومعارضة في أخرى. بحسب الفئة الأخيرة، ثمّة أردنيون شباب يعتقدون أنّ السوريين ينافسونهم على بعض المهن"، لكنّه يوضح أنّ "ذلك التنافس لم يكن بشكل كبير، فالعمالة السورية نافست العمالة المصرية وساهمت في تخفيض أجرة اليد العاملة".




من جهتها، تقول المديرة التنفيذية لمنظمة "النهضة العربية للديمقراطية والتنمية"، سمر محارب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأردن كغيره من البلدان ملتزم بالمواثيق الدولية المتعلقة باستضافة اللاجئين، ومنها حقّ عودتهم التي نحرص كمنظمات حقوقية على حمايته وضمان طوعيته وسلامة إجراءاته. وذلك من خلال تمكين اللاجئين من العودة القانونية والحصول على الوثائق الثبوتية لذلك، التي من شأنها أن تمكّنهم من استكمال حياتهم بالشكل الصحيح". تضيف أنّه "بعد ثمانية أعوام من استضافة تميّزت فعلياً بإيجابيات كثيرة، من دعم وحماية على الرغم من التحديات الكبيرة التي عاناها الأردن، آن الأوان ليكون هناك تخطيط للعودة وجدياً، إن كان ذلك في مصلحة اللاجئين واستقرار سورية وإعادة إعمارها".

وتتابع محارب: "نحن كمنظمة حقوقية تعمل في مخيّمات الأردن، نأمل أن نضع حدّاً لأزمات اللجوء، وإنهاء هذا الوجود الهشّ والصعب وتأمين حلول مستدامة، منها خيار عودة اللاجئين عندما تسمح الظروف بذلك". وبالنسبة إلى التعامل الرسمي والشعبي مع اللجوء في الأردن، تقول إنّه "ما زال داعماً لاستضافة اللاجئين، ولم نشهد تذمّراً يذكر أو خطاباً معادياً، كما هي الحال في باقي الدول المضيفة. لكنّ الأمر لا يخلو من بعض الشكاوى، نظراً إلى الضغوطات الاقتصادية وطول أمد الأزمة ونشوء جيل لاجئ بالكامل (في الأردن) لا يعرف مصيره. لذلك فإنّ ثمّة تحديات في استدامة هذه الاستضافة، كذلك الأمر بالنسبة إلى احتواء استياء اللاجئين أنفسهم من ظروف الحياة الصعبة التي يعانونها في الأردن، خصوصاً مع ضعف المساعدات، ومن شأن ذلك التأثير بالتأكيد على قدرة الاستضافة والعيش الكريم للاجئين".

نصف اللاجئين السوريين في الأردن من الأطفال (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

أمّا الخبير الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الأردن تعامل مع اللاجئين السوريين من منطلق متعلق بالبعد الديني وكذلك الاجتماعي والإنساني، بالإضافة إلى علاقة الجوار. وهذا أمر سهّل عملية الاندماج النسبي بين الأردنيين واللاجئين السوريين". ويلفت إلى أنّ "ثمّة سوريين لجأوا إلى الأردن وقد عدّوه محطة في طريق هجرتهم المفترضة إلى بلدان ثالثة، خصوصاً في أوروبا. هؤلاء مثلاً لم يحتكّوا بالأردنيين، الأمر الذي لم يخلق ردود فعل سلبية تجاههم". ويؤكد الخزاعي من جهة أخرى أنّ "تنظيم عملية استقبال اللاجئين منع ردود فعل سلبية تجاه السوريين، فالأردنيون تعاملوا معهم في البداية من منظور إنساني، فيما حافظوا هم أنفسهم على خصوصية المجتمع الأردني واحترموا العادات والتقاليد". ويتابع الخزاعي أنّ "المجتمع الأردني لم يميّز ضدّ السوريين، فهؤلاء لم يأخذوا فرص الأردنيين في العمل، بل تنافسوا مع العمالة الوافدة، لا سيّما أنّهم أكثر مهارة من بعض العمال الوافدين العرب، خصوصاً في قطاع الإنشاءات والمطاعم"، مشيراً إلى أنّ ذلك "بيّن مدى حاجة الأردن إلى عمالة مهنية وكم من شباب الأردن عازفون عن العمل".

تفيد وزارة العمل الأردنية بأنّ عدد تصاريح العمل الصادرة للسوريين عن وزارة العمل منذ 2016 وحتى نهاية مارس/آذار الماضي يقارب 135.5 ألف تصريح، معظمها في قطاعَي الزراعة والإنشاءات. من جهتها، تشير أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أنّ إجمالي عدد اللاجئين السوريين المسجّلين في الأردن هو 666 ألفاً و596 لاجئاً، نصفهم تقريباً من الأطفال، و86 في المائة منهم يعيشون تحت خطّ الفقر. لكنّ الحكومة الأردنية تصرّح بأنّها تستضيف نحو 1.3 مليون سوري، وهو العدد الإجمالي للذين يحملون صفة "لاجئ"، بالإضافة إلى من دخلوا الأردن قبل عام 2011.



وتجدر الإشارة إلى أنّ نتائج استطلاع "مركز نماء للبحوث والدراسات الاستراتيجية" حول اللاجئين السوريين في الأردن الذي أجري في نهاية عام 2018، بيّنت أنّ لدى 78 في المائة من هؤلاء اللاجئين نظرة إيجابية حيال الأوضاع في الأردن، لجهة وصفها كدولة تعاملهم "على أفضل وجه". كذلك رأى 76 في المائة من هؤلاء اللاجئين أنّ الأوضاع الاقتصادية في الأردن سوف تتحسن في المستقبل القريب، فيما ذهب 88 في المائة منهم إلى الجزم بأنّهم يعاملون بشكل أفضل في الأردن بالمقارنة مع تركيا ولبنان. وأضافت نتائج الاستطلاع أنّ 86 في المائة من اللاجئين السوريين في الأردن يرفضون العودة إلى سورية، في مقابل رغبة 14 في المائة في ذلك.