اللاجئون السوريون في تركيا ورقة سياسية داخلية

اللاجئون السوريون في تركيا ورقة سياسية داخلية

13 يونيو 2019
لم يخطف اللجوء ابتسامتها (محمود سردار ألاكوش/ الأناضول)
+ الخط -

تميّز اللاجئون السوريون إلى تركيا عن سواهم من مواطنيهم في بلدان اللجوء الأخرى، بما يتاح لهم من فرص وظروف إيجابية. هؤلاء هربوا من الحرب التي راحت تستهدفهم في سورية بدءاً من عام 2011 إلى دولة تعترف بالقانون والحقوق، علماً أنّ مخيّمات اللجوء التركية توصف بأنّها من الأفضل عالمياً. وبعد استقبال هؤلاء اللاجئين، قُدّمت إليهم تسهيلات من أجل مواصلة أعمالهم، فصارت لهم أسواق تجارية منتعشة حظيت بإعجاب الجاليات العربية في البلاد. وقد وصل الأمر في تركيا إلى حدّ تجنيس عدد كبير من هؤلاء السوريين في مختلف الولايات التركية. وعلى الرغم من كل الامتيازات التي حصل عليها اللاجئون السوريون، فإنّ أحزاباً سياسية، سواء في التحالف الحاكم أو في المعارضة، راحت أخيراً توظّف ورقة اللجوء السوري في السياسة الداخلية.

ويدلّ التوظيف السياسي لملف اللاجئين السوريين على تحوّل في الاتجاه الشعبي العام الذي كان يقف إلى جانب السوريين بشكل عام، وإن لم يظهر بطريقة مباشرة على العلاقات اليومية بين الأتراك والسوريين. لكنّه لوحظ من خلال الأصوات التي انتقلت إلى المعارضة والتي تهاجم السوريين وتهددهم، ومثالاً على ذلك ما حصل في الانتخابات المحلية التي جرت في 31 مارس/ آذار الماضي، عندما توعّد رئيس بلدية بولو (شمال غرب)، المنتخب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، تانجو أوزجان، بقطع المساعدات البلدية عن السوريين، علماً أنّ ذلك القرار كان أوّل إجراء له بعد فوزه. وقبل أيام، قررت بلدية مودانيا (شمال غرب)، في ولاية بورصة، منع دخول السوريين إلى الشواطئ التابعة للبلدية، مع العلم أنّ هذه البلدية تابعة للمعارضة كذلك. بدوره، أقرّ مجلس بلدية غازي باشا (جنوب غرب)، في ولاية أنطاليا الساحلية السياحية، حظر دخول السوريين إلى الشواطئ، لكنّ رئيس البلدية محمد علي يلماز، من حزب الشعب الجمهوري، رفض القرار وأعاده إلى المجلس البلدي للنظر فيه من جديد. بالنسبة إلى يلماز فإنّ حلّ أزمة الإزعاج التي يتسبب بها سوريون والتي برّرت القرار، لا تحلّ عبر منعهم من ارتياد الشواطئ.

تفيد نتائج إحصاءات حول السوريين في تركيا أصدرتها إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية في نهاية مايو/ أيار الماضي، بأنّ عدد هؤلاء المسجّلين رسمياً في البلاد والحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة (كملك) في تركيا، بلغ ثلاثة ملايين و610 آلاف و398 سورياً، من بينهم فقط 112 ألفاً و708 لاجئين في المخيّمات الحدودية. وهذه الأرقام تأتي أقلّ من تلك المسجّلة في عام 2018 بنحو 13 ألف سوري، وهؤلاء إمّا عادوا إلى بلادهم أو غادروا تركيا إلى وجهات أخرى. وتوضح الإحصاءات نفسها أنّ ثمّة مليوناً و954 ألفاً و720 ذكراً، أمّا الإناث فعددهنّ مليون و655 ألفاً و678. تضيف أنّ عدد السوريين دون 18 عاماً يبلغ مليوناً و667 ألفاً و860، فيما يتجاوز المليون عدد الأطفال الذين هم في التاسعة من عمرهم وما دون، الأمر الذي يشير إلى عدد كبير من المواليد السوريين في تركيا. وبالفعل، صرّح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو قبل أيام بأنّ 450 ألف سوري ولدوا في تركيا. في السياق، تقدّر الحكومة التركية العدد الإجمالي للسوريين بنحو أربعة ملايين، وذلك لأنّ ثمّة أشخاصاً ما زالوا غير مسجّلين رسمياً، في حين أنّ نحو 40 مليار دولار صُرفت على هؤلاء. يُذكر أنّ اللاجئين السوريين موجودون في 13 مخيماً تتوزّع في ولايات جنوب تركيا، ويتوزّع آخرون منهم في مختلف الولايات التركية.

هذا واقعهم في مخيّمات اللاجئين (كرم كوجلار/ الأناضول)

التعاطي التركي مع موجات اللاجئين السوريين مرّ بمراحل عدّة، أولاها استضافة الوافدين جميعاً في المخيّمات ثمّ السماح لمن يملك الإمكانية بالانتقال إلى المدن وتحمّل نفقاته بعدما فُتحت الحدود من دون رقيب. ولأنّ ثمّة حاجة إلى تأمين التعليم والخدمات الصحية، استحدثت مدارس ومستوصفات في أماكن وجود السوريين. وبهدف تفادي سوء استغلال المساعدات المقدّمة في ظلّ تأخّر سبل الحل في سورية مع تمادي النظام في استخدام القوة ضد المواطنين وازدياد موجات النزوح، قدّمت تركيا حلولاً لتجاوز مشكلة التعليم والصحة وعمدت إلى توزيع بطاقات حماية مؤقتة أو "كملك"، حاولت من خلالها تنظيم وجود السوريين على الأراضي التركية. ومن خلال تلك البطاقات، مُنح السوريون أرقاماً مكّنتهم من الاندماج في النظام التعليمي وكذلك الصحي التركيَّين. تجدر الإشارة إلى أنّه تمّ على الأثر إغلاق عدد من المدارس السورية بعدما أقرّت كمراكز تعليم مؤقتة، وابتداءً من العام المقبل سوف يُغلق ما تبقى من تلك المدارس، نتيجة انتفاء الحاجة إليها. كذلك تمكّن السوريون من خلال بطاقات "كملك" من تلقّي العلاج في مستشفيات الدولة مجاناً والحصول على الأدوية مجاناً، الأمر الذي أثار حفيظة الأتراك الذين يتكلّفون على الأدوية أكثر من السوريين.

ومنعاً لتضرّر المدرّسين، عملت الحكومة التركية على دمجهم في مدارسها بعد متابعتهم دورات متخصصة بدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فيما فتحت مراكز صحية للاجئين يعمل فيها أطباء سوريون، علماً أنّ هؤلاء جميعهم مُنحوا الجنسية التركية. كذلك، عُيّن مترجمون بدعم من الاتحاد الأوروبي، في كل المستشفيات التركية والمستوصفات لمساعدة السوريين الذين لا يتقنون اللغة التركية. وبخصوص تجنيس السوريين، فقد شمل ذلك حملة الشهادات بداية، قبل أن يستفيد من الأمر قاطنون في المخيّمات وآخرون في مختلف الولايات التركية. وقد بلغ عدد الحاصلين على الجنسية التركية أكثر من مائة ألف شخص، بحسب بيانات الحكومة، في حين تمّ تنظيم عمل السوريين ومُنحوا تصاريح عمل واستثناءات خاصة.




تقول مصادر تركية مطلعة تحفّظت عن ذكر هويتها لأنّها غير مخوّلة بالتصريح، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة التركية تعمل بشكل مكثّف من أجل تحسين أوضاع السوريين، وتحرص تركيا على أن تكون نموذجاً في ذلك. وعلى الرغم من أنّ المجتمع الدولي لا يأبه للأمر وهو ما زال متحفظاً، فإنّ الحكومة سوف تواصل جهودها". وتؤكد المصادر المطلعة نفسها في معرض سؤال عن التغيّر الشعبي وكذلك الحكومي إزاء وجود اللاجئين السوريين في البلاد، خصوصاً مع تهديد وزير الداخلية سليمان صويلو بفرض النظام العام في إسطنبول وعدم السماح للسوريين بتخريبه، أنّ "الحكومة تستوعب دائماً ردود فعل الشارع التركي نتيجة حوادث تشهدها الساحة التركية من جرّاء المستجدّات السياسية، لكنّ فرض النظام يشمل الجميع، خصوصاً أنّ ميول الشعب تأتي في هذا الاتجاه وأنّ مثل ذلك الكلام يلقى قبولاً شعبياً". تضيف المصادر أنّ "الحكومة تحاول الحفاظ على حقوق السوريين من قلّة قد تؤثّر عليها، ويتوجّب على هؤلاء تفهّم الأمر. وكلام صويلو أشار كذلك إلى جهود مكثّفة من أجل دمج أكبر للسوريين في المجتمع التركي، من خلال دورات في مجالات مختلفة، من بينها دورات تعلم التركية التي تساهم بقوة في تسهيل الاندماج".

وردّاً على المخاوف من إجبار السوريين على الرحيل في حال تراجع الحزب الحاكم، تقول المصادر المطلعة نفسها إنّ "الانتخابات المحلية انتهت، وهي خاصة بالمجال الخدمي في البلاد، وانتخابات الإعادة في إسطنبول (مقرّرة في 23 يونيو/ حزيران الجاري) هي انتخابات محلية كذلك، بالتالي فإنّها ليست مثل الانتخابات الخاصة بالبرلمان أو الرئاسة التي هي حالياً في يد حزب العدالة والتنمية الحاكم لأكثر من أربعة أعوام. وهو ما يعني أنّه لا خوف في خلال هذه الفترة من تبدّل السياسات، إلا في حال إيجاد حلول سياسية وتشكيل مناطق آمنة، عندها فقط قد تتحدّث الحكومة عن عودة طوعية للسوريين إلى تلك المناطق".

بطاقة "كملك" تكفل التعليم لهنّ (آدم ألتان/ الأناضول)

من جهتها، تقول رئيسة لجنة شؤون اللاجئين والمهجرين في الائتلاف السوري المعارض، أمل شيخو، لـ"العربي الجديد"، إنّ "توافد ملايين السوريين إلى تركيا يعود إلى الشريط الحدودي المشترك الذي يمتدّ على أكثر من 900 كيلومتر. بالنسبة إلى هؤلاء الذين يُقدّر عددهم بنحو 3.5 ملايين شخص، فإنّ تركيا ملاذ آمن وقد وفّرت لهم كذلك ما لم يتوفّر لأقرانهم (في دول اللجوء الأخرى) من قبيل الحماية والتأمين الصحي المجاني والتعليم المجاني وخدمات كثيرة. وحتى اللحظة، لم تغيّر الحكومة وجهة نظرها حيال السوريين بل هي تعدّهم ضيوفها". تضيف شيخو أنّ "اللاجئين عملوا في مجالات مختلفة وسط تسهيلات كبيرة، بالإضافة إلى أنّ الشعب التركي أبدى تعاطفاً كبيراً معهم على الرغم من بعض التجاوزات التي كانت بحدود المعقول، ومرتكبوها هم أفراد لا يمثّلون الشعب كله ولا الحكومة".

وتشير شيخو إلى أنّه "على الرغم من أنّ تعامل تركيا مع السوريين على أراضيها يوحي بأنّها تؤمّن للاجئين ضمانات كثيرة، فإنّ ثمّة إجماعاً رسمياً تركياً وكذلك إجماعاً شعبياً وطنياً على ضرورة عودة اللاجئين إلى وطنهم في اللحظة المناسبة لبناء سورية الجديدة. كذلك ثمّة مجموعة من حقوق اللاجئين لم توفّر للسوريين بشكل كبير، لأنّ الحكومة التركية تعدّهم ضيوفاً ولا توصّفهم كلاجئين. صحيح أنّ لهذا التوصيف بعداً أخلاقياً جيداً، إلا أنّه لا ينطوي على بعد قانوني يعوّل عليه، وهو ما يُفقد السوريين حقوقاً كثيرة أقرّها لمصلحتهم المجتمع الدولي وأقرّتها كذلك المواثيق الدولية التي تُعنى بشؤون اللاجئين". وتتابع شيخو أنّه "بعد ثمانية أعوام من الوجود السوري في تركيا، طرأ تغيّر ملحوظ في الجانب السياسي بهدف التأثير على الحزب الحاكم في البلاد، واستخدم بشكل سلبيّ. على الرغم من ذلك لم تنجح المحاولات بتغيير وضع اللاجئ السوري إلى حدّ كبير، إذ إنّنا نرى اندماجاً مقبولاً إلى حدّ ما على المستوى المجتمعي". وتؤكّد من جديد أنّ "وضع السوريين في تركيا بالمقارنة مع سواهم في دول الجوار والمنطقة العربية ككل، هو الأفضل. ونستطيع قول ذلك بجرأة كبيرة".




في السياق نفسه، يقول المعارض السوري التركماني سمير حافظ، الذي له تواصل مع الحكومة التركية، إنّ "الوجود السوري في تركيا نُظّم بحسب قانون الحماية المؤقت الذي صدر في عام 2014. كذلك فإنّ الإحصاءات تشير إلى مليون تلميذ وطالب سوري، 640 ألفاً منهم يتلقّون التعليم، أي ما نسبته 65 في المائة". يضيف أنّ "الموقف الرسمي التركي من السوريين لم يتغيّر، إنّما ثمّة تغيير شعبي استناداً إلى سياسة أحزاب المعارضة التي تحاول استغلال السوريين، فتدّعي أنّهم يحصلون على الدعم المادي من ميزانية الدولة التركية، وهذا أمر خطأ. كذلك يُقال إنّ السوريين يتصرّفون بشكل سيّئ في كل مكان، وإنّ تركيا تحارب في سورية من أجل السوريين فيما هم يترفّهون في المسابح وعلى الشواطئ، وهذا خطأ كذلك. فتركيا تحارب ما تعدّه منظمات إرهابية وليس قوات النظام". ويلفت حافظ إلى أنّ "وضع السوريين في تركيا جيد جداً وهم يعملون في كل مكان وفي كل الاختصاصات. في البداية كان الوضع صعباً، لكن ثمّة سبعة آلاف مؤسسة سورية مسجّلة في تركيا اليوم، والاستثمارات بدأت تعطي نتائج مثمرة".

المساهمون