تجربة سنغافورة

تجربة سنغافورة

02 يونيو 2019
في جامعة سنغافورة الوطنية (جيف غريبرغ/ Getty)
+ الخط -

لا تبعد سنغافورة عن ماليزيا كثيراً، فكلتاهما تقعان جغرافياً في الشرق الآسيوي وقد تعرّضتا للاستعمار ونالتا استقلالهما في زمن مقارب للزمن الذي حصلنا فيه نحن في الدول العربية على "استقلالاتنا". نقصد من مثل هذا الكلام الإشارة إلى تشابه الأحوال، علماً أنّ كلتا الدولتين لا تملكان موارد نفطية ولا معدنية متوافرة في كثير من الدول العربية.

تتقاطع تجربة سنغافورة مع تجربة ماليزيا في التركيز على نوعية التعليم الذي يخضع لخطط صارمة ومرنة في الوقت ذاته، إذ إنّ وزارة التعليم العالي تتفاوض سنوياً مع وزارة القوة العمالية لتحديد عدد الطلاب المقبولين في مختلف أقسام الجامعة الوطنية لتضمن توفّر وظائف لهم عند تخرجهم. ونتيجة ذلك، يُعَدّ معدّل الالتحاق بالجامعة منخفضاً (أقلّ من 30 في المائة) لضمان عدم تخريج طلاب يحملون مؤهلات أكثر من احتياجات سوق العمل، وبالتالي ظهور بطالة كبيرة بين خريجي الجامعات.

في مقابل ذلك، ثمّة تركيز ملموس على الالتحاق بالمعاهد الفنية، وتصل نسبة الملتحقين بها إلى نحو 79 في المائة من الطلاب، بحسب الإحصاءات. وللتوضيح، يتقاضى المتميّزون من حاملي شهادة البكالوريوس في الأقسام المالية والعاملين في المصارف ما يقارب مرتَين ونصف المرّة أكثر ممّا يتقاضاه حاملو شهادة الدكتوراه في سنغافورة.

وبالنظر إلى دينامية الاقتصاد في سنغافورة وتوفر الحوافز للشركات والمؤسسات عبر تخفيضات على الضرائب في مقابل التوظيف، أظهرت دراسة مسحية أعدّت أخيراً حول نسبة توظيف الطلاب في خلال ستة أشهر من تخرّجهم، أنّ نحو 90 في المائة من خريجي كليات الهندسة والمحاسبة وغيرها تمكّنوا من الحصول على وظائف. في المقابل لم تتجاوز نسبة توظيف الطلاب المتخرجين من أقسام الفنون والآداب والدراسات الاجتماعية 75 في المائة، علماً أنّ متوسط معدّل البطالة في سنغافورة لا يتجاوز في الواقع نحو اثنَين في المائة.

وتعتمد سنغافورة في ما يتعلق بسياسات التعليم العالي والحرب على البطالة على:
1- ربط عدد طلاب الجامعات والأقسام العلمية بخطط وزارة القوة العمالية ووزارة التنمية الوطنية.
2- رفع مستوى المعاهد الفنية والدفع بالنسبة الأكبر من خريجي الثانوية إلى هذه المعاهد.
3- توعية الطلاب وإعدادهم عبر مراكز دعم التوظيف في الجامعات والمعاهد.
4 - بناء علاقات قوية مع القطاع الصناعي، خصوصاً مع أرباب العمل.
5 - دعم مبادرات ريادة الأعمال بين الطلاب.
6- خلق فرص العمل من خلال تخطيط تنموي استراتيجي قادر على استقطاب الاستثمارات الخارجية ودعم الصناعات المحلية بالإضافة إلى تطوير تعليم فني وجامعي على أعلى المستويات.




وبهدف زيادة التنافس ما بين الجامعات والشركات، تنظم الدولة مسابقات سنوية لاختيار أفضل الطلاب في مجالات اختصاصهم، وتقدّم لهم المكافآت والقروض فضلاً عن التقدير المعنوي من خلال تسليط الضوء على كفاءاتهم وما يمكن أن يحققوه للبلاد من تطوّر. كذلك تجري مسابقات سنوية لاختيار أفضل الشركات التي تستثمر أصولاً ثابتة وتوظّف أكثر من 500 موظف، وتُعطى لها الأولوية في نيل العقود الحكومية. ويدخل في هذا الإطار كذلك تقديم الدعم والرعاية والضمانات إلى اليد العاملة المحلية ورأس المال البشري المحلي اللذَين يتمّ تفضيلهما على الأجنبي في الأجور والتقديمات. كذلك تُفرض ضرائب عالية على العاملين الأجانب، هذا إذا نجحوا في الحصول على إجازات وموافقات عمل وهو أمر بالغ الصعوبة على أيّ حال.

*باحث أكاديمي

المساهمون